ماذا لو تستطيع النباتات إرسال SOS، رحلة سوريا مع الزراعة الذكية مناخياً
هل يمكن لتقنية اليوم أن تخلق غداً أخضر مستدام.
أدى تسارع عجلة التغير المُناخي إلى جعل الزراعة نموذجاً للمهن المهددة بخطر التلاشي إذ تُرجمت أهميتها بدورها الحاسم في ميزان الأمن الغذائي للعالم عامة وسوريا خاصة.
خلال عدة أعوام ، تفوقت مشكلة الأمن الغذائي لتكون المسألة الأكثر تداولاً كخطرٍ متربص مرهونٌ بتأثيرات التغير المُناخي ، وفي هذا الصدد تكاتفت جهود الباحثين والتكنولوجيا للوصول إلى آلية يمكنها التكيف مع هجمات التغير المُناخي وخلصوا إلى ما يسمى بالزراعة الذكية مناخياً (CSA)
الزراعة الذكية مناخياً Climate Smart-Agriculture؟
وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO):
تم تعريفها بأنها النهج الذي يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير.
وتتجلى فكرة الزراعة الذكية مناخياً بأنها تقنية من تقنيات الزراعة المستدامة إذ تصور كـ( نهج)، وليست ممارسة محددة أو تكنولوجيا معينة يمكن تطبيقها عالمياً, لذلك تستدعي إجراء تقييم للظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الخاصة بالموقع الذي ستطبق به حتى يتم تحديد تكنولوجيا وممارسات زراعية مناسبة.
وتحت شعار الاستدامة رسمت الزراعة الذكية مناخياً أهدافها التي تتمثل ب :
الزيادة المستدامة على الصعيدين الزراعي والمادي ، محاولة التكيف وبناء القدرة على التكيف مع التغير المُناخي ، والعمل على خفض أو إزالة انبعاثات الغازات الدفيئة.
ضمن إطار الأهداف السابقة سيُطرح تساؤلٌ وهو كيف ستتمكن الزراعة الذكية مناخياً من إنقاذ الزراعة في ظل الواقع المُناخي لسوريا؟؟؟؟؟
تكمن الإجابة بآلية تكيفها مع التغير المُناخي :
وتتلخص آلية تكيفها بعدة ممارسات نذكر منها :
زراعة أصناف محاصيل مقاومة للمناخ:
حيث يتم انتقاء محاصيل أكثر مقاومة للحرارة والهطول المطري المتطرف بغية التخفيف من تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على الإنتاج الزراعي،ويجدر الإشارة بأن معرفة نظام درجات الحرارة والهطول في المنطقة سيساعد بتحديد المحاصيل التي يمكن أن تزدهر فيها , وبالتالي تغيير جدول الزراعة.
الزراعة المحافظة على الموارد:
وتتم من خلال تقليل عمليات الحرث واستخدام بقايا المحاصيل للحفاظ على تغطية التربة بشكل دائم واتباع مبدأ تناوب المحاصيل.
إدارة المياه:
يعد الري الدقيق والمنظم وفق حاجة النبات والري بالتنقيط وتجميع المياه أمثلة على استراتيجيات الزراعة الذكية مناخياً.
بالإضافة لغيرها من أنواع الزراعات المستدامة وإدارة الآفات والعناصر الغذائية والثروة الحيوانية.
وتعد الزراعة الذكية مناخياً استثنائية إذ تستخدم أدوات تدمج التكنولوجيا مع الممارسات الزراعية المختلفة وفقاً لاحتياج المنطقة، ومن هذه الأدوات :
الروبوتات Robotization : مثل طائرات بدون طيار (الدرون) ، حساسات تقيس رطوبة التربة وحاجة النبات للمياه.
الزراعة الدقيقة Precision agriculture : وهو نظام إدارة يسهم في حل المشاكل الاقتصادية والبيئية.
الابتكار البيولوجي Bio innovation : الذي يستخدم تقنيات تقلل انبعاثات الغازات الدفيئة مثل تربية نباتات مقاومة (للبرد، للصقيع …)
بالإضافة للعديد من الأدوات الأخرى… وللاتجاه لمسار أكثر تحديداً سنستعرض أداة مثيرة للاهتمام من أدوات الزراعة الذكية مناخياً، وهي الزراعة الدقيقة.
الزراعة الدقيقة Precision agriculture:
حيث وردت عدة تعاريف من قبل منظمات عالمية مثل الفاو والاسكوا وغيرها ولخصت بأنها زراعة تعتمد على التكنولوجيا والأقمار الصناعية، وتهدف لزيادة الإنتاجية وتقليل الهدر.
لاستباق لقطات من المستقبل سندرج تقنيات وأساليب الزراعة الدقيقة التي ستمكن النباتات من التحدث :
النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)
تتيح هذه التكنولوجيا للمزارعين جمع المعلومات بدقة كبيرة عن الموقع في أي وقت وتعمل كالآتي:
رسم خرائط لأنظمة الري والحقول والطرق، والكشف عن المناطق التي تعاني من مشاكل ، بالإضافة تعمل على اختبار التربة في مناطق ميدانية محددة؛ وقيادة الجرار بنظام توجيه متوازٍ.
كذلك يسمح نظام ال (GPS) في الزراعة الدقيقة بالسيطرة على الآلات الزراعية مثلا : يمكن للمزارعون قيادة الجرارات في ظل ضعف الرؤية، بسبب المطر أو الضباب.
تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية (GIS)
يعمل نظام ال GIS على ربط بيانات الكائنات مع الموقع ورسم خرائط، بما في ذلك الخرائط الرقمية، ويتيح أيضاً عملية تقسيم المزرعة إلى مناطق منفصلة، حيث أن كل منطقة تتمتع بخصائص منفردة فيتم تقسيم هذه المناطق وفقاً ل: نوع التربة، وتوافر العناصر الغذائية، ومحتوى رطوبة التربة، ومعدل الرقم الهيدروجيني، وانتشار الآفات.
ويتيح للمزارعين مشاهدة السجلات، مثل خرائط مسح التربة وخصائص النباتات المزروعة في المنطقة. حيث توفر صور الأقمار الصناعية والصور الجوية معلومات إضافية.
طائرات بدون طيار(UAVs) (درونز).
إذ تعتبر أكثر دقة وكفاءة من طائرات الرش التقليدية.و تتلخص آليتها في تحديد مناطق من الحقل ورشها سواء بمبيدات أو أسمدة مما يقلل من الهدر والتأثير البيئي الضار. بالإضافة يمكن التحكم بها عن بعد وتغطية مساحات كبيرة بسرعة واستهلاك وقود أقل ، وتعمل على جمع بيانات المحاصيل والتربة والآفات التي تساعد على اتخاذ القرار بخصوص عمليات الري والتسميد والمبيدات ، ومراقبة الوضع العام للنباتات كالمرض والإجهاد ، وهذا بدوره يساعد المزراعين على تحديد المشكلات مبكراً .
الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية.
تتيح هذه التقنية للمزارعين مراقبة صحة المحصول من خلال صور الأقمار الصناعية التي توفر معلومات محدثة باستمرار سواء عن الرطوبة الزائدة(الإجهاد المائي الزائد)، والأمراض، التشوهات الهيكلية، ومستويات العناصر الغذائية. وتتميز صورها بدقة طيفية عالية مما يسمح للمزارعين بالحصول على بيانات دقيقة.
تكمن ميزة هذه التقنية مقارنة ب (GPS) و(UAVs) بعدم وجود تكاليف إضافية للوقود والعمالة.
التطبيق الذكي للمدخلات (VRT):
تعمل تقنية VRT على توزيع الأسمدة والبذور والمبيدات … بمعدلات مختلفة في أجزاء مختلفة من الحقل تبعاً لحاجتها. كذلك تمكّن من القيام بإختبار التربة بحثاً عن العناصر الغذائية مثل:النتروجين, وتغذية المناطق التي تفتقر إلى عناصر غذائية محددة فقط.
أنظمة الري الأوتوماتيكية:
وتُستخدم للتحكم في الري بناءً على بيانات الاستشعار.
ما زال هنالك العديد من التقنيات الأخرى يمكنكم رؤيتها من خلال زيارة الرابط
https://eos.com/blog/precision-agriculture
https://www.cropin.com/precision-agriculture
فضلا عما سبق ما الذي يميز الزراعة الذكية مناخياً !!!!
الجديد في الزراعة الذكية مناخياً هو القدرة على استقراء المخاطر المُناخية سريعة الحدوث بكفاءة أكبر ويعود ذلك لتبنيها مبدأ إدارة المخاطر و تجهيزها بتقنيات وأساليب زراعية قادرة على مواكبة المخاطر المُناخية المتطرفة سواء للتكيف معها أو التخفيف منها.
ولسوء الحظ المميزات تأتي دائما مع تحديات, فما التحديات التي تعيق النباتات من التحدث ؟ ( تحديات تطبيق الزراعة الذكية مناخياً في سوريا CSA)
بعد البحث والدراسة وجد أنها تنعكس أولاً بقلة المعرفة والوعي , التكاليف الباهظة (للأدوات والخبراء والتدريبات) , والأهم المعوقات السياسية (العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد), بالإضافة للرفض القاطع من أصحاب الأرض لأنها تخالف ثقافتهم.
هل تتشابه الزراعة الذكية مناخياً والزراعة الدقيقة من حيث المبدأ ؟
حسناً ستكون الإجابة استثنائية حيث أن :
الزراعة الدقيقة والزراعة الذكية مناخياً هما مفهومان مختلفان، ولكنهما يتقاطعان في بعض الجوانب!.
الزراعة الدقيقة Precision agriculture:
تركز بشكل أساسي على استخدام التكنولوجيا وجمع البيانات لتحسين الإدارة المحلية للمزرعة، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالري، تطبيق الأسمدة، أو أي نوع من التدخلات الزراعية الأخرى. الهدف هو زيادة الإنتاجية وتقليل الفاقد واستخدام الموارد بفعالية.
أما الزراعة الذكية مناخياً Climate-Smart Agriculture
هي مفهوم أوسع يهدف إلى جعل الزراعة أكثر استدامة من النواحي المُناخية. يشمل ذلك التكيف مع التغير المُناخي ، وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وتحقيق استقرار في دخل المزارعين.
وضمن هذا الإطار قدمت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) دورات تدريبية متنوعة بخصوص الزراعة الذكية مناخياً ومجالات أخرى يمكن الاطلاع إليها والاشتراك بها من خلال الرابط :
سوريا والزراعة الذكية مناخياً
بعد البحث المطول وجد أن سوريا ليست ببعيدة عن ذلك فهي تمارس بعض من تقنيات الزراعة الذكية مناخياً كما يتضح بالأمثلة التالية :
مؤخراً، بدعم من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( FAO) تم تبني تقنية التسوية بالليزر التي طبقت في الغوطة الشرقية من دمشق و تتلخص آليتها بتسوية الأرض بشكل دقيق ولا يمكن الحصول عليه بالعمليات التقليدية للحصول على زراعة متجانسة وتساوي في توزيع مياه الري وعدم هدره وخاصة في ظل شح المياه .
وأظهرت تميز برفع كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاج وتوفير في القوة العاملة وتوفير الطاقة المستخدمة. حيث وفرت ما يقارب 80% من هدر الماء والمحروقات .
كذلك عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( UNDP ) على نشر نهج الزراعة المستدامة وتطبيقها في العديد من الأماكن في سوريا متبنين بعض تقنيات الزراعة الذكية مناخياً مثل استخدام محاصيل مقاومة للتغير المُناخي ، وتطبيق مبدأ الزراعة الحافظة للموارد ،وكذلك إدارة الموارد المائية لكن لازالت أدوات الزراعة الذكية مناخياً خجولة وغير متاحة أو مطبقة في سوريا .
سبق صحفي
أعلن كل من منظمة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا (FAO) وصندوق المناخ الأخضر (GCF) جهوزية سوريا للحصول على التمويل من أجل المُناخ. تم تنفيذ برنامج بناء القدرات على مدى عامين متتاليين، وتم إشراك أصحاب المصلحة المعنيين في تحديد الأولويات ووضع الخطط الوطنية لمعالجة مسائل التغير المُناخي . يتضمن برنامج المشاريع الخاصة بالتكيف والتخفيف من آثار التغير المُناخي في العديد من القطاعات، وعلى وجه الخصوص قطاع الزراعة، الموارد الطبيعية، والطاقة.
ختاماً لابد من ذكر التجارب العربية لتطبيق الزراعة الذكية مناخياً
**المملكة العربية السعودية**:
– استخدمت تقنيات الري بالتنقيط وأنظمة الري الحديثة للحد من استهلاك المياه.
– استخدمت تقنيات الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لرصد الأراضي الزراعية.
. **الإمارات العربية المتحدة**:
– استخدام تقنيات الزراعة الهيدروبونية والزراعة في الأماكن المغلقة.
– استخدام التكنولوجيا لرصد وإدارة المزارع.
. **مصر**:
– استخدام أنظمة الري الحديثة وتحسين الأصناف الزراعية لتحمل الملوحة وقلة المياه.
– تطبيق برامج لتحسين جودة التربة والحد من التصحر.
المراجع:
https://www.fao.org/climate-smart-agriculture/ar
https://eos.com/blog/climate-smart-agriculture
https://eos.com/blog/precision-agriculture
https://journals.ekb.eg/article_254927_ff100c7d825943254f637f2eec6d2743.pdf
https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/9/19/1/216357
https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/9/18/1/181857