الكوليرا والتغيّر المُناخي
مع عودة ظهور الكوليرا في سوريا، أصبحت قضية تغير المُناخ وعلاقته بإنتشار المرض أكثر جدلاً.
هنا في زوايا العالم حيث تداعيات الحرب تُلقي بظلالها القاتمة، يواجه الإنسان تحديات تفوق قدرة البشر على التحمل. عام 2022 لم يكن مجرد عام من التقويم، بل كان شاهدًا على مأساة إنسانية، حيث تفشت الكوليرا بطريقة “غير مسبوقة”، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية. ولكن وراء هذه الأرقام والإحصاءات، تكمن قصص حقيقية لأشخاص عانوا مرتين: مرة من ويلات الحرب، ومرة من وحشية الكوليرا.
الكوليرا
عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوّثة ببكتيريا الكوليرا، وهو مرض يمكن أن يَقتُلُ في غضون ساعات إذا لم يُعالج. يعد توفير المياه ومرافق الصرف الصحي المأمونة أمراً حاسماً للوقاية من الكوليرا وغيرها من الأمراض المنقولة بالمياه ومكافحتها.
يمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات عن مرض الكوليرا على هذا الرابط:
https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/cholera
صلة العلاقة:
جميع “العوامل المعتادة” لعبت دورها في الإرتفاع العالمي للإصابة بمرض الكوليرا، بما فيها الصراع والنزوح الجماعي. ويُضاف إلى ذلك “التأثير الواضح للغاية” لتغير المُناخ.
وقد تناول الإجتماع السنوي للأمم المتحدة بشأن المُناخ (COP 28)موضوع علاقة تغير المُناخ بالصحة حيث كان هناك إجماع عالمي حول كيفية تأثير التغيرات المناخية كالظواهر الجوية القاسية، متضمنةً العواصف والفيضانات وحرائق الغابات، والتي تتسبب جنبًا إلى جنب مع زيادة درجة الحرارة في تعطيل النظم الغذائية وزيادة الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والدوسنتاريا.
لمعرفة المزيد حول COP 28 الهادف لمناقشة الحكومات كيفية الحد من تغير المُناخ والإستعداد له في المستقبل يمكن زيارة الرابط التالي:
مؤتمر الأطراف COP28 في دولة الإمارات العربية المتحدة
مأساة سوريا:
سوريا هي واحدة من 23 دولة تكافح حالياً مرض الكوليرا، على الرغم من أن العديد من هذه الدول لم تشهد المرض منذ عقود.
في سوريا، البلد الذي عصفت به الحروب والنزاعات، يقف الأطفال والنساء والرجال مرة أخرى أمام تحدٍ جديد. حيث البنية التحتية المدمرة، وأنظمة المياه والصرف الصحي المتهالكة لم تترك لهم خيارًا سوى الإعتماد على مصادر مياه غير آمنة, كل قطرة ماء أصبحت تحمل في طياتها خطر الكوليرا، مضاعفة بذلك معاناتهم.
مع تقلبات المُناخ والجفاف الشديد الذي ضرب البلاد في السنوات الأخيرة الذي زاد الطين بلة، وتحولت الحياة إلى صراعٍ مستمر للبقاء.
وقال بيتر شوارتزشتاين، الصحفي البيئي المتخصص في الشرق الأوسط وعضو مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء “إن حالات الجفاف ليست جديدة في المنطقة، ولكن بسبب تغير المناخ يبدو أن هذه الحالات أصبحت أكثر حدة وأكثر تكراراً”.
بسبب نقص المياه، يضطر العديد من المزارعين إلى الإعتماد على مياه الصرف الصحي لزراعة محاصيلهم. وهذا يمكن أن يلوث الخضروات التي يزرعونها.
وقد أدى الإعتماد على المياه غير الصالحة للشرب والري إلى تفشي العديد من الأمراض المعوية، بما في ذلك الكوليرا، وخاصة بين الأطفال. قد وصل نقص المياه إلى حدٍ كبير لدرجة أن المدنيين اضطروا إلى التخلي عن النظافة الأساسية، مثل غسل اليدين، لأنهم بحاجة إلى المياه للشرب.
كارثة 2023:
وفي عام 2023، رسمت الأمم المتحدة لوحة قاتمة بأرقامها: تمثلت ب77 ألف حالة مشتبه بها بالكوليرا و100 وفاة في سوريا وحدها. خلف كل رقم قصة إنسانية، قصة عائلة فقدت عزيزًا، قصة طفل أُجبِر على مواجهة قسوة الحياة في سنٍ مبكرة، قصة أمٍ تحاول حماية أطفالها من خطرٍ لا يرى بالعين المجردة.
إن قصص ضحايا الكوليرا في سوريا ليست مجرد إحصاءات، بل هي دليل على معاناةٍ إنسانية مستمرة في عالم يتسم بالتقلب والتغيير. وهي تذكرة مؤلمة بأن الوقت قد حان لتوحيد الجهود على كل المستويات لمواجهة هذه التحديات الصحية والبيئية والإنسانية، لتجنب تكرار مثل هذه المأساة في الأعوام القادمة.