دوّن للأرض

التغير المناخي والحرب
التغير المناخي والحرب
التّغير المناخي والحرب, أثرهما على سوريا و البيئة

على مدى اثنا عشر عاماً من الحرب على سوريا، تصدرت عناوين الحرب أعظم وسائل الإعلام ، بدءاً من الخسائر البشرية المرعبة ،وصولاً إلى الدمار الذي هشم البنى التحتية في أنحاء سوريا .

البيئة أحد الضحايا الصامتين التي  لم تحظى بنفس الأهتمام والمتابعة، وفي ظل اشتداد الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة في سوريا، تراجع الاهتمام بهذا الجانب وزاد التعدي على البيئة ومواردها كأحد أشكال محاولة تلبية الاحتياجات المتزايدة من مصادر الطاقة أو الغذاء.

سوريا والتغيرات المناخية قبيل الأزمة :

في حقيقة الأمر فإن المشاكل البيئية في سوريا تعود عقوداً إلى الوراء قبل الأزمة السورية، فسوريا، والمنطقة عموماً، لم تكن بعيدة عن الأزمات المناخية العالمية مثل ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي أثرت في تغير المناخ وما نتج عنها من كوارث طبيعية.

ففي أواخر عام 2000 شهدت سورية واحدة من أسوأ حالات الجفاف في التاريخ الحديث، والتي أدّت إلى فقدان المحاصيل وفقدان الماشية.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تسبّب الجفاف في فشل 75% من المزارع السورية، وموت 85% من الماشية بين عامي 2006 و2011.مما انعكس سلبا على القطاع الزراعي، الذي كان مصدر الرزق الأساسي لسكان الريف، والعمود الفقري لاقتصاد البلاد الذي كان يوفّر 14% من إجمالي الوظائف في سورية؛ أي ما يُقدّر بنحو 1.5 مليون مزارع سوري والذي انتهى بترك أراضيهم .

وكان لهذا التحول عواقب وخيمة على البيئة والمجتمع المحلي، وأدى إلى تحدّيات اجتماعية واقتصادية وبيئية وإنسانية كبيرة، إذ تسبب ذلك في موجة هجرة كبيرة من الريف باتجاه المدن لاسيما مدن دمشق وحمص وحلب، حيث ساهمت في ازدياد الضغط على الموارد الطبيعية واستنزافها كما حصل في الغوطة التي خسرت امتدادها الأخضر، لصالح التشوه الاسمنتي الذي طال معظم بساتينها .

حرب على البيئة 

جاءت الحرب على سوريا في ذروة هذه التغيرات البيئية ففاقمت من آثارها السلبية من جهة وخلقت تحديات أخرى على النظام البيئي  من جهة أخرى.

ساهم الواقع الاقتصادي والمعيشي السيء وظروف الحصار والسيطرة على مصادر الطاقة من قبل المجموعات المسلحة، إلى صعوبة تأمين أهم مستلزمات الحياة , وبالتالي لجوء الكثير من السكان إلى الكثير من الممارسات السلبية التي أثرت بشكل مباشر ومدمر على البيئة والمناخ ، مثل حفر الآبار غير المستدامة التي شكلت أهم أشكال التعدي على المياه الجوفية.

زاد على ذلك التلوث الكبير الذي أصاب خزانات هذه المياه الجوفية، و رفع نسبة التلوث فيها نتيجة العديد من العوامل منها مُشكلة التلوث النفطي ومكبات النفايات الصلبة، ومياه الصرف الصحي لاسيما الصناعية التي تُدار بشكل غير صحيح.

ويُشكّل التلوث النفطي تهديداً كبيراً لجودة المياه. وتؤدّي التسريبات من البنية التحتية القديمة، إلى جانب إنتاج النفط غير المشروع السائد في مناطق الصراع، إلى وصول النفط إلى المسطحات المائية، حيث لا يُلوّث النفط المياه فحسب، بل يُشكّل أيضاً طبقة رقيقة على السطح، ما يمنع الأكسجين من الوصول إلى الأحياء المائية؛ وبالتالي، يُعطّل النُظم البيئية بأكملها.

ولا نستطيع تجاهل الأثر السيء لتدمير البنى التحتية و تخريب بعض أجزاء شبكة الصرف الصحي وخروجها عن الخدمة نتيجة تلوثها.

شح المشتقات النفطية أودى بالغطاء النباتي:

يعد الاعتداء على الغطاء الأخضر ، سواء بدء  بقطع الأشجار أو تخريب الأراضي والغابات، أحد أسوأ الكوارث التي أصابت البيئة في سوريا.

 حيث تمَّ قطع وتخريب غابات بأكملها بحجة تأمين وقود التدفئة، وساهم ارتفاع أسعار الخشب كأحد بدائل مصادر الطاقة المستخدمة للتدفئة والطبخ، في ظهور سوق سوداء في مختلف المناطق المحلية، التي نظرت إلى المكسب المادي المباشر، بعيداً عن الضرر الكبير الذي قد يكون من غير الممكن إصلاحه خلال السنوات القادمة.

فكل شجرة  عبارة عن  نظام بيئي متكامل، بدءاً من دورها في تنقية الهواء والحفاظ على معدلات درجات الحرارة والرطوبة، وصولاً إلى كونها تحتضن الكثير من الكائنات الحية كموطن لها وتثبيتها للتربة .
وأي  خلل بسيط في  النظام الحيوي يؤدي  الى خسارة نظام كامل  .

متوالية أزمات بيئية … القادم أسوأ:

في ظل اشتداد المظاهر البيئية المرافقة للتغير المُناخي و استمرار الحرب و الصعوبات الاقتصادية، تجد سورية نفسها عالقة في دائرة  من المشكلات المتتالية ، حيث تفاقم كل قضية القضية الأخرى؛ فاستمرار الصراع إلى جانب سوء إدارة الموارد المائية و القطع الجائر و فترات الجفاف الطويلة، كل ذلك أدى إلى انخفاض كبير في الإنتاجية الزراعية.

التي تعزز بدورها عدم الاستقرار الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي، ما يفاقم من التوتّر الاجتماعي، وتؤدّي ندرة الموارد المائية إلى زيادة الصعوبات التي يواجهها المزارعون، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى المُمارسات الزراعية غير المُستدامة، والتي بدورها تُسرّع من تدهور التربة.

الآن و قد غدت موجات الجفاف والحر التي من المُحتمل أن تتفاقم بفعل تغيّر المناخ، أكثر من مُجرّد تحدّيات دورية إذ تحوّلت إلى عوامل اختلال دائمة ومُنتظمة.

تواجه سورية أنماط طقس قاسية على نحو مُتزايد. فقد ارتفع متوسّط ​​درجات الحرارة في البلاد بشكل مُطّرد، ما رفع درجة الحرارة في البلاد بنحو 0.8 درجة مئوية عما كانت عليه قبل مائة عام. 

وشهدت السنوات الأخيرة موجات حارة أدت إلى ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار 8-10 درجات مئوية فوق المستويات المُعتادة. وتشهد منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ومن ضمنها سورية، ظروفاً جوية أكثر دفئاً وجفافاً، ويبدو واضحاً من خلال ملاحظة إنخفاض معدلات الأمطار .

ما العمل؟

تُمثّل مُعالجة أزمة المُناخ في سورية مُهمّة مُعقّدة بلا شك، بالنظر إلى الأولويات التي يفرضها الواقع المتأزم على مختلف الأصعدة في سوريا.

 قد ينظر البعض إلى أزمة المناخ ومعالجة الآثار المترتبة للحرب على البيئة  ، على أنها نوع من الرفاهية أو أنها لا تحتل موقع الأولوية قياساً بالآثار والأزمات الأخرى، لكن في الحقيقة فإن معالجة الآثار البيئية قد تكون مدخلاً لمعالجة الكثير من المشكلات، وإبتكار حلول أكثر استدامة يمكن أن تساهم في استقرار الوضع وتحسنه.

ثمة عدد من الإجراءات والمُمارسات والمُبادرات الناجحة التي يُمكن أن تؤخذ في الاعتبار: 

  • يجب أن تُركّز الإجراءات العملية على الأرض على تعزيز المُمارسات الزراعية المُستدامة والإدارة الفعّالة للمياه. 

عبر دعم المزارعين من خلال تزويدهم بتقنيات الحفاظ على المياه، مثل أنظمة الري بالتنقيط أو التغطية، التي تقلل هدر المياه مع الحفاظ على إنتاجية المحاصيل. 

كما أن تنفيذ السياسات التي تُشجع على استخدام هذه التقنيات، وتوفير الموارد اللازمة تؤدي إلى تعزيز مرونة القطاع الزراعي في مواجهة التقلّبات المناخية.

  • لدى المُنظّمات غير الحكومية والجهات المانحة الدولية أيضاً دور مُهم تؤديه، ويمكن أن يأتي دعمهم في أشكال مُختلفة مثل المساعدات المالية، والمساعدات الفنية، أو جهود بناء القُدرات. 

يمكنهم مساعدة سورية في تنفيذ استراتيجيات العمل المناخي، وإجراء البحوث العلمية، وتعزيز الخبرات المحليّة في مجال تغيّر المناخ، لاسيما بالنسبة للمنظمات والمؤسسات المحلية التي تعنى بالبيئة والمناخ.

 حيث من المهم التشجيع وتقديم الدعم لتأسيس مثل هذه المؤسسات، وتحفيز الناشطين والمهتمين على المشاركة بفعالية من خلال هذه المؤسسات، التي يمكن أن تكون إطاراً فاعلاً يعيد التركيز على أهمية قضايا المناخ والبيئة، ويؤسس لثقافة جديدة على صعيد التعامل بحكمة مع الموارد الطبيعية وحماية البيئة.  

كتابة: أسماء محمد

تدقيق: داليه عبد اللطيف

إقرأ أكثر مع SCP

(هذه التدوينة من مخرجات مشروع "دوّن للأرض" بالتعاون مع مشروع تمكين)