الزراعة والأمن الغذائي في ظل التغير المناخي
تكمن أهمية الحديث بموضوع التغير المناخي والحفاظ على البيئية من وجهة النظر الزراعية في تعلّقها بموضوع أساسي، هو كيفية تأثير التغيرات المناخية المباشرة على حياة الإنسان، من خلال التأثير على سلسلة متتابعة من العوامل الطبيعية، تصل في النهاية إلى الغذاء.
ذكر تقرير حديث لبرنامج الغذاء العالمي أن ” ترتيب سوريا يقع ضمن تسعة بلدان معرضة لخطر شديد جراء الأحداث المناخية وتتربع كثالث أعلى معدل جفاف “.
ويقدّر برنامج الأغذية العالمي أن 12.4 مليون سوري يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، وهذه زيادة قدرها 4.5 مليوناً في العام الماضي وحده وهو أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق. كما أدى النزاع والنزوح والانكماش الاقتصادي الحاد، مع انخفاض قيمة الليرة السوريَّة إلى زيادة الضغوط على الأسر التي تكافح الآن من أجل تغطية تكاليف الاحتياجات والسلع الأساسية.
وحذرت المنظمة الأممية كذلك من أزمة مياه تلوح في الأفق، كاشفةً أنّ ما يقارب 40 % من المناطق الزراعية المروية لم تعد لديها قدرة الاعتماد على الري.
يمكن تلخيص تأثير التغيرات المناخية على جودة الغذاء بعدّة نقاط أبرزها:
- تهديد الأمن الغذائي
- خفض إمدادات المياه وتدهور التربة
- انتشار الأمراض والأوبئة على مستوى الإنسان والحيوان والنبات
- تقلبات المناخ والكوارث الطبيعية
ومن الأمثلة الملموسة حالياً والمؤثرة بشكل مباشر على المحاصيل في سوريا، الإنتاج المتواضع للقمح، رغم الجهود المبذولة لإنجاح الموسم الماضي بسبب الجفاف وانحباس الأمطار، حيث بلغ إنتاج سوريا من القمح هذا العام 1.7 مليون طن وسوريا تحتاج إلى ضعف هذه الكمية لسدّ احتياجاتها
والتطرف المناخي كتواتر ظواهر الصقيع بدرجات حرارة متدنية وهبّات الرياح الشديدة، كان لهم تأثير كبير على مزارعيّ المحميّات في الساحل، وأدت لخسائر فادحة، حيث أنه في عام 2017 تسببت موجة صقيع في خسارة تراوحت بين 10 و90% من إجمالي البيوت المحميّة في محافظة طرطوس، وتغيرات المناخ أدت لعدم انتظام التزهير ببعض أنواع الأشجار المثمرة والإزهار بمواعيد مغايرة لمواعيد الإزهار الطبيعية
(ظاهرة التربيع)
إضافةً لانتشار الآفات الزراعية بشكل وبائي وصعوبة السيطرة عليها، تظهر آثار تغير المناخ على أنواع الآفات بشكل معقد، يشمل تأثيرات مباشرة وغير مباشرة وتداخلات محتملة بينهما. في موقع معين، قد يؤدي التحول في الإحترار والظروف المناخية والجوية الأخرى إلى تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على الآفات الحشرية ومسببات الأمراض والأعشاب الضارة.
تشمل الآثار المحتملة على الآفات ما يلي: التغييرات في توزيعها الجغرافي، مثل مدى توسعها أو تراجعها، أو زيادة مخاطر دخول الآفات؛ التغيرات في الفينولوجيا الموسمية، مثل توقيت النشاط الربيعي أو تزامن أحداث دورة حياة الآفات مع النباتات العائلة والأعداء الطبيعيين؛ والتغيرات في جوانب حركية السكان، مثل الشتاء والبقاء على قيد الحياة، ومعدلات النمو السكاني، أو عدد الأجيال بالنسبة لأنواع متعددة دورات الحياة، وانتشار الأمراض الفطرية بشكل يصعب التحكم فيه مثل مرض عين الطاووس على أشجار الزيتون، حيث أن الحالة الوبائيّة التي يظهر بها المرض في بعض السنوات، والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي يسببها، بالإضافة إلى مسببات مرضيّة أخرى، ونتيجة لتلك التغيرات الحراريّة والرطوبة التي أثرت في الأنظمة المرضيّة، كان هناك زيادة مرضيّة على أساس سنويّ في نسبة الإصابة وشدّتها، ويتطلب احتواء هذا الأثر تطبيق إدارة متكاملة لهذه الأمراض، مع انتشار واسع لأنماط جديدة وشرسة من الأمراض الفيروسية على الخضار من أمثلتها فيروس
فيروس التبقع والتجعد البني لثمار البندورة المدمّر حيث ذكرت آخر الأبحاث أن درجات الحرارة المرتفعة ربما تكون مفضّلة بشكل خاص من قبل فيروسات النبات وناقلاتها الحشرية
كل تلك العوامل مجتمعة تشكل ضغط كبير على المزارعين والمنتجين، وتزيد تكاليف الإنتاج المترافق مع نقصان في الإنتاج، وبالتالي ندرة في المحاصيل وارتفاع في الأسعار وزيادة معدلات الجوع ونقص الغذاء.
إن مهمة تخفيف أثر التغيرات المناخية والتوعية بمخاطرها بالأزمات مهمة صعبة، خصوصاً على المهتمين بالمجال الزراعي والبيئي، لذا يجب التدخل مع الأجيال الجديدة، عبر عقد جلسات توعية بأهمية الحفاظ على البيئة وسياسات الزراعة التجديدية والتدوير واستخدام الطاقة النظيفة، وتشجيع المزارعين والمنتجين على استخدام وسائل زراعية آمنة وقليلة الضرر في الأنظمة البيئيّة والاستخدام المعقول للأسمدة، وتدوير مخلفات المزارع من خلال صنع الكومبوست، واستخدام الهواضم الحيوية لإنتاج السماد والغاز الحيوي.
ويعتبر اعتماد نهج الزراعة الذكيّة مناخياً وممارسات إدارة موارد الأراضي والمياه، ممارسات تكيّف ضرورية للزراعة وسبل العيش في المنطقة.وبالنسبة لتدابير التخفيف، فإن تعزيز مصارف الكربون من خلال التشجير وإعادة التحريج والإدارة المستدامة للغابات، وتدابير التخفيف الخاصة بالثروة الحيوانية، والاستراتيجيات المتكاملة للمحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، تعد عوامل مهمة لإعادة التوازن البيئي وبالتالي التخفيف من أثر التغير المناخي