أزمة المُناخ تجبر الفتيات والنساء على بيع أجسادهن

بعد الاعصار، مرت إحدى العائلات بظروف صعبة أرغمتهم على أن  يوافقوا على عرض وظيفة لإبنتهم البالغة من العمر 17 عاماً، لكنهم اكتشفوا فيما بعد أنه قد تم استغلالها في تجارة الجنس.

في مايو 2020، تعرضت قرية أمفان في ولاية البنغال الغربية، وهي ولاية شرق الهند، لإعصار مدمر. ولحسن الحظ، تمكنت “سيما” من النجاة بحياتها والاحتماء في ملجأ محلي، ولكن منزلها وأرضها التي زرعتها هي وعائلتها لكسب لقمة عيشهم دُمّرَ بالكامل ولم يبقى لها شئ حتى هويتها،  كما أنّها كانت شاهدة على مأساة جيرانها الذين فقدوا كل شيء بسبب هذه الكارثة الطبيعية.
واجهت إحدى العائلات أوقات عصيبة أجبرتهم على قبول عرض عمل  لإبنتهم البالغة من العمر 17 عامًا في المدينة.

“عرض عليهم المال وقال: أنتم فقراء حقًا، دعني أوظفها وأجعل حياتها أفضل”. قالت سيما لمراسل VICE World News من خلال المترجم.

ولم يخبر الرجل الأسرة بأنه سيأخذ الفتاة إلى مدينة مثل مومباي أو بيون، حيث ستُجبر على العمل في تجارة الجنس. وأضافت سيما، التي تم تغيير اسمها لحماية هويتها، أن شريكتها في السكن عندما كانت تعمل في الدعارة قد تكون لا تزال تتعرض للاتجار حتى اليوم. 

رأت سيما بنفسها كيف يتعرض النساء للخطر بسبب الكوارث الطبيعية، وهي تعمل اليوم مع منظمات هندية تدعم ضحايا الاتجار بالبشر، مثل مجموعة “بانهانموكي”. وأشارت إلى أن شريكتها السابقة في السكن والبالغة من العمر 17 عامًا هي واحدة من العديد من الأشخاص المعرضين للاتجار، خاصة في المناطق المعرضة للخطر مثل ولاية البنغال الغربية، حيث تتفاقم أزمة المُناخ.

“إذا سلب البحر قطعة الأرض الصغيرة التي يمتلكونها، فماذا بقي لهم؟”

قالت سيما إن المتاجرين بالبشر “على دراية جيدة” بالأزمات، لذلك غالباً ما ينقضّون على المتضررين ويستغلونهم فور وقوع الكوارث الطبيعية.

في جميع أنحاء العالم، اضطر أكثر من 55 مليون شخص بالفعل إلى الانتقال من مجتمعاتهم الأصلية بسبب الطقس القاسي، ومن المتوقع أن تؤدي أزمة المُناخ إلى نزوح ما يصل إلى مليار شخص بحلول عام 2050. واليوم، تتسبب الأحداث البيئية في نزوح عدد أكبر من البشر مقارنة بأعمال العنف والصراع حيث تتحمل النساء والفتيات بشكل خاص وطأة أزمة المُناخ: ذكرت VICE World News سابقاً كيف أصبحت الأعمال المنزلية أكثر فتكاً بالنسبة للنساء في المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، وأن أولئك الذين يفرون من منازلهم يكافحون من أجل الوصول إلى وسائل منع الحمل، ومن المرجح أن يضطر الكثيرون إلى بيع أجسادهم لأنهم وأسرهم يعانون من الظواهر الجوية القاسية التي لا تترك لهم سوى الملابس التي يرتدونها.

نماذج سابقة موثقة

 بعد أن ضرب إعصار أيلا الهند في مايو/أيار 2009، زاد عدد العاملات في مجال الجنس المهاجرات في منطقة الضوء الأحمر في كولكاتا بنسبة 20% إلى 25%، والعديد منهن أشرن إلى أنفسهن على أنهن “أشخاص غمرتهم الفيضانات”. 

وفقًا للتقارير، يزداد عدد سكان المنطقة بما يصل إلى 700 شخص كل عام. كما زاد العمل في مجال الجنس باعتباره “آلية للبقاء” في ميانمار بعد إعصار نرجس الذي ضرب البلاد في عام 2008، وفقاً لتقرير منظمة “المرأة تنقذ” Women Deliver الصادر هذا العام.

وفقاً لتقرير للأمم المتحدة صدر عام 2014، واجهت بعض الأسر النازحة صعوبات اقتصادية في أعقاب الفيضانات في “فيجي”، لدرجة أن الكثيرين جعلوا أطفالهم يكسبون المال من خلال العمل بالجنس ليلاً.

ووجد تقرير لرويترز أن مراهقة انضمت إلى تجارة الجنس وأصبحت المعيل الرئيسي لأسرتها التي هاجرت إلى المدينة بعد أن جرفت الفيضانات منزلها، حيث كانت تكسب ما يصل إلى 240 دولارًا شهريًا.

قالت: “كان عمري حوالي 14 عامًا عندما انضممت إلى تجارة الجنس. لقد فعلت ذلك من أجل المال فقط، اضطررت لشراء الطعام، كان عليّ أن أبقى على قيد الحياة”.

تعتبر ولاية البنغال الغربية، وخاصة منطقة سونداربانس، واحدة من أكثر المناطق عرضة للكوارث الطبيعية في العالم. تقع هذه المنطقة في خليج البنغال حيث تتقاطع ثلاثة أنهار ويعيش فيها حوالي 4.5 مليون شخص. تتعرض هذه المنطقة سنوياً للعواصف والفيضانات الشديدة، كما تتميز بسبعة أشهر من الحرارة الشديدة. ويعتمد الكثير من السكان في هذه المنطقة على الزراعة كسبيل للعيش، ولكن عندما تغمر المياه المالحة الأراضي الزراعية، تتضرر جودة التربة وتتأثر مصادر دخلهم.

ونتيجة للظروف الصعبة، يلجأ بعض النساء الهاربات من الكوارث الطبيعية إلى ممارسة العمل الجنسي كوسيلة لتغطية نفقاتهن ونفقات أسرهن، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان يمكن اعتبار هذا العمل بالتراضي عندما لا يوجد خيارات أخرى لديهن.

وفي هذا الصدد، قالت إحدى النساء اللاتي تعرضن للاتجار ويعشن الآن في الهند، والتي تعمل مع منظمة بانهانموكي، “نظرًا للضائقة المالية الشديدة، فإن النساء لا يخترن العمل بالجنس بشكل طوعي”.

كوشيك جوبتا هو محامٍ لدى محكمة كولكاتا العليا، في ولاية البنغال الغربية أيضًا، وقال إنه بسبب أزمة المُناخ، التقى بالعديد من النساء والفتيات اللاتي دخلن تجارة الجنس إما عن طريق الاستغلال أو بالتراضي.

“تؤدي القضايا البيئية إلى زيادة فقر المضطهدين بالفعل. بالنسبة لشخص يعمل مزارعًا أو عاملًا يومياً، إذا سلب البحر قطعة الأرض الصغيرة التي يملكها، فماذا سيتبقى له؟” قال غوبتا.

وقال غوبتا أيضاً أن هناك حاجة إلى سياستين: الهجرة الآمنة وسياسات العمل الجنسي القانونية والمزيلة للوصمة، دون خوف من قمع الشرطة.

ووفقا لغوبتا، فإن الكثير من جهود الإنقاذ، التي تقودها في بعض الأحيان المنظمات غير الحكومية الغربية، تزيد من عزلة النساء المستغلات بالفعل، وفي كثير من الأحيان يأخذون النساء اللاتي تم الإتجار بهن سابقاً ويضعوهم في ملاجئ محلية، حيث يبقون لمدة تصل إلى ثلاث سنوات – دون أن يتمكنوا من المغادرة – لتعلم مهارات قابلة للتسويق، مثل الخياطة أو فن الماكياج، لكن غوبتا قال إن القليل من الجهود تبذل لضمان عودة النساء إلى ديارهن بأمان.

وأضاف: “هناك وصمة عار اجتماعية كبيرة حول الجنس نفسه” والنتيجة هي أن النساء اللاتي يهربن من الاتجار بالجنس يكافحن من أجل إعادة الاندماج في المنزل لأن عائلاتهن وجيرانهن ينظرون إليهن على أنهن “نساء ساقطات”، إن الحملات الأكثر فعالية تعمل مع العائلات حتى يتمكنوا من معرفة أن الاستغلال الجنسي ليس خطأ المرأة”.

وأردف قائلا: “إن ما يسمى بدول العالم الأول غافلة تماماً عن هذه الحقائق”.

هاجرت فاطمة من بنغلاديش للعمل كخادمة في المملكة العربية السعودية بعد أن فقدت منزلها في عام 2007 بسبب إعصار سيدر، وهو إعصار من الفئة الخامسة أدى إلى مقتل الآلاف, على الرغم من أنه لم يتم الإتجار بها جنسياً، إلا أنها كانت تتعرض للإيذاء بشكل روتيني من قبل أصحاب عملها حيث تم لمسها وضربها. 

وقالت إنها تعرف نساء انتهى بهن الأمر إلى تجارة الجنس في أعقاب إعصار سيدر، أو أزمات مماثلة، غالبًا ما يجذبهن “وسطاء” ويعدونهن بالعمل كخبيرات تجميل. وقالت فاطمة إنه تم إرسالهم إلى مدن في دول جنوب آسيا، بما في ذلك الهند وتايلاند ونيبال.

وقالت فاطمة، التي شهدت هذه المشاكل تتجلى في مجتمعها: “نحن بحاجة إلى رفع مستوى الوعي لأن الأسر في معظم الأحيان لا تعرف ما هو الاتجار بالبشر والجنس وكيف ينبغي عليهم حماية أنفسهم أو أطفالهم”. وأضافت أن الخجل من الجنس جعل من الصعب على الناجين الذين عادوا إلى ديارهم إعادة الاندماج مع مجتمعهم.

وقالت فاطمة إن إحدى الطرق التي يمكن للحكومات أن تساعد بها هي تزويد النساء والفتيات بالمهارات التي يمكنهن استخدامها لكسب لقمة العيش.

وجد تقرير حديث للمعهد الدولي للبيئة والتنمية أن أزمة المُناخ تؤدي إلى تفاقم العبودية الحديثة، والتي تشمل في بعض الأحيان الاستغلال الجنسي القسري. النساء والأطفال والأفراد الأشد ضعفاً هم الأكثر عرضة للخطر.

الكوارث الطبيعية هي الأسباب الرئيسية لجميع المصائب التي أواجهها في حياتي.

يقول التقرير: “يحتاج صناع السياسات والمخططين في مجال المُناخ والتنمية بشكل عاجل إلى إدراك أن ملايين الأشخاص الذين نزحوا بسبب تغير المُناخ يتعرضون للعبودية وسيتعرضون لها في العقود المقبلة”.

وقال الناجون الذين تحدثوا مع VICE World News إنهم يشعرون بالقلق من أن الاتجار بالجنس سيزداد مع الكوارث، وإنهم يريدون الدعم الحكومي الكافي حتى يتمكنوا من الاستمرار في العيش في مجتمعاتهم المحلية دون خوف من الاستغلال.

بالنسبة لسيما، البقاء في قريتها في ولاية البنغال الغربية يعني أنها تستطيع البقاء على اتصال مع دائرتها الاجتماعية. وقالت إن الانتقال إلى مكان آخر يبدو أيضًا غير ممكن من الناحية المالية.

حيث قالت سيما: “ليس لدي المال لشراء أرض أو بناء منزلي في مكان آخر”.

لقد بدأ العالم للتو في اكتشاف أن هناك معضلة جديدة تحتاج للحل وهي دعم لاجئي المُناخ، حتى أغنى البلدان غير مجهزة للتعامل مع المهاجرين الداخليين، الذين شردتهم حرائق الغابات والفيضانات. ولكن هناك أمل: ففي سابقة عالمية حدثت في وقت سابق من هذا العام، نجح رجل أُجبر على مغادرة بنغلاديش بسبب الظروف البيئية السيئة التي أثرت على صحته، بالحصول على حق الإقامة في فرنسا – مع اعتراف المحكمة الفرنسية بأن التلوث لعب دورًا رئيسيًا في حدوث ذلك القرار. 

يمكن أن يشكل القرار سابقة حيث يضطر المزيد من الناس إلى ترك منازلهم بسبب أزمة المُناخ.

وقالت فاطمة، التي عادت الآن مع عائلتها إلى بنغلاديش بعد أن حصل زوجها على قرض آخر لإعادتها إلى منزلها، إنها لا تريد أبداً الهجرة بشكل دائم من قريتها.

قالت فاطمة: “الأمرُ صعبٌ للغاية، صعبٌ للغاية”. “الكوارث الطبيعية هي الأسباب الرئيسية لكل الكوارث التي أواجهها في حياتي. إذا كان لدي خيار آخر في منطقتي، فلن أخطط أبداً للرحيل أو الهجرة.

المقال الأصلي:

https://www.vice.com/en/article/g5qbkx/climate-crisis-increasing-sex-work-for-survival

ترجمة: هيلانة شيخ الشباب

تدقيق: سارة الكيال

إقرأ أكثر مع SCP