موجات النزوح المُناخي في شمال شرق سوريا .. لا تتوقف
الخطرُ الأكبر في النزوح المُناخي هو أنه غالباً تدريجي قد لا يُلاحظ إلا عند متابعةِ تراجع الأراضي المزروعة في المنطقة ومتابعةِ أحوال المزارعين الذين غادروه
مقدمة
يشير تغير المُناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون هذه التحولات طبيعية، بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الإنفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير الم‘ناخ ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط وسوء إدارة الإنسان للموارد .
تعريف الهجرة المُناخية: الهجرة بسبب المُناخ، جزء فرعي من التنقل المرتبط بالمُناخ والتي تشير في المقام الأول إلى الحركة الطوعية المدفوعة بتأثير الكوارث المفاجئة أو التدريجية التي تتفاقم بسبب المُناخ، مثل الهطول غير الطبيعي للأمطار الغزيرة، والجفاف لفتراتٍ طويلة، والتصحر، والتدهور البيئي، أو ارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير.
تعريف الهجرة المُناخية في الميثاق العالمي: ورغم أن الميثاق العالمي للاجئين، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية 2018 يُقر بأن العوامل المُناخية والكوارث الطبيعية تؤدي إلى تزايد حركات اللجوء، إلا أنه لا يوجد حتى الآن تعريف متفق عليه عالمياً أو مُلزِم قانونياً لمصطلح لاجئو المُناخ الذي تتناوله الأوساط الإعلامية والسياسية.
لا يوجد حتى الآن تعريف متفق عليه عالمياً أو مُلزِم قانونياً لمصطلح لاجئو المُناخ الذي تتناوله الأوساط الإعلامية والسياسية.
المُناخ والتغيرات المُناخية كمحرك للهجرة:
يمكن تقسيم الأحداث المُناخية إلى أحداث سريعة الظهور وأخرى بطيئة الظهور: وتشمل الأحداث السريعة: الظواهر المُناخية المتطرفة (مثل: الفيضانات، والعواصف، وموجات الحر والجفاف) . أما الأحداث البطيئة فهي تغيرات تدريجية في النظم المُناخية (مثل: ارتفاع درجات الحرارة، أو تباين هطول الأمطار على المدى الطويل). وتشمل الأحداث الأخرى التي تحدث ببطء ارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمض المحيطات، وانحسار الأنهار الجليدية، وتملح التربة، وتدهور الأراضي والغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، والتصحر. وتُشير الدلائل إلى أن الأحداث سريعة الظهور من المُرجح أن تؤدي إلى نزوح قصير المدى متبوعًا بالعودة إلى مناطق المصدر مرةً أخرى، بينما من المرجح أن تؤدي الأحداث البطيئة الحدوث إلى الهجرة الدائمة. ومع ذلك، يمكن للأحداث المتتالية سريعة الظهور أن تقلل من ارتباط الأُسر بموطنها الأصلي بطرقٍ قد تشجع الهجرة طويلة الأجل .
الشمالُ السوري الخاسرُ الأكبر :
إن التغيّرات الناجمة عن المُناخ سواء كانت من انخفاضٍ مُقلق في موارد المياه وزيادة مُعدّلات التبخّر وغيرها ، أدى الى تزايد ظروف الجفاف، وخاصةً في شمال شرق البلاد، مما فاقم المُشكلة في الاستقرار وسبل العيش . لقد اشتدّت حدة الآثار المُتتالية لتغيّر المُناخ، والصراع المستمر، والصعوبات الاقتصادية في سورية، وتحديداً في المناطق التي تعتمد على الزراعة، وبشكلٍ أساسي في شمال شرق البلاد إلى موجات هجرة متتالية.حيث تجد سورية نفسها عالقةً في حلقةٍ مفرغة من المشكلات، تُفاقم كل قضية القضية الأخرى؛ فاستمرار الصراع إلى جانب سوء إدارة المياه، وفترات الجفاف الطويلة أدّت إلى انخفاضٍ كبير في الإنتاجية الزراعية. ويُعزّز هذا الانخفاض في الإنتاجية بدوره عدم الاستقرار الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي، ما يؤدّي إلى المزيد من التوتّر الاجتماعي، ويفرض مزيداً من الضغوط على الاستمرار في الحياة الزراعية، وتؤدّي ندرة الموارد المائية إلى تَفاقم الصعوبات التي يواجهها المزارعون، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى المُمارسات الزراعية غير المُستدامة، والتي بدورها تُسرّع من تدهور التربة.
من آثار التغير المُناخي ارتفاع درجات الحرارة :
وأكثر المناطق تضرراً بالتغير المُناخي هي مناطق شمال شرق سوريا والتي تُعرف بالجزيرة، ومساحتها أكثر من 35 في المئة من مساحة البلاد التي تبلغ 185 ألف كيلومتر مربع وفق التقييم الأولي لشبكة الخبراء المعنية بالتغيرات المُناخية في البحر المتوسط لعام 2019 ,فقد قُدِر ارتفاع درجات الحرارة في سوريا في العقود بين 1931 وَ 2008 بدرجة مئوية واحدة, في حين أن الارتفاع بين 2008 وحتى 2022 يقدر بدرجتين مئويتين فأكثر!.
ومن الملاحظ أن هناك ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة يخلق اضطراباً غير متوازن في المُناخ ينعكس على معدلات الأمطار ودرجة حرارة التربة وتأثيراتها على المحاصيل الزراعية ويخلق جفافاً في بعض المناطق. مما قد يحرم الكثير من العاملين في الزراعة من فرص زراعية جيدة. بين عامي 2000 – 2002 . تعرضت سورية إلى موجات جفافٍ قوية أدت الى حركات هجرةٍ داخلية بإتجاه محافظات دمشق ودرعا وحلب . من مناطق شمال شرق سوريا خاصةً محافظة الحسكة وتحديداً أهالي المناطق الزراعية البعلية في جنوبها وشرقها. يَذكر خالد هو صاحب أرض زراعية في الحسكة ( أنه ترك العمل بالزراعة بسبب الجفاف وندرة الأمطار ,مما دفعه إلى العمل كسائقٍ في المدينة وهجرة الريف والأرض الزراعية . كما هاجر أبناءه الى الدول المجاورة للعمل ) .
بين السنوات 2008 و 2011 تكررت موجات الجفاف واستمر الانخفاض في معدلات الأمطار والتراجع في الإنتاج الزراعي من الحبوب وغيرها . ومرة جديدة تكررت موجة الجفاف بين 2019 و 2022. والتي هددّت الأمن الغذائي بشكلٍ عام.
لوحظت تبعات هذه الأزمة مُتعدّدة الجوانب على مستوياتٍ عدة، . وتسبّبت ندرة المياه في إحداث دمارٍ كبير في إنتاج المحاصيل. وأدّى هذا النقص في الإنتاج المحلي بدوره، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء البلاد، مما أثّر في الفئات السكّانية الأكثر ضعفاً . وأثّر على الانخفاض في الإنتاجية الزراعية في المنطقة. مما دفع الكثير من العاملين في القطاع الزراعي وخاصةً الشباب إلى الهجرة نحو المدن أو البلدانِ المجاورة للبحثِ عن فرص عملٍ بديلةً عن العمل في الزراعة.
خاتمة:
إن التغيرات المُناخية لها آثار واضحة وجلية على الهجرات السكانية ، وتمتد تلك التأثيرات إلى إضعاف إنتاج القطاع الزراعي وخلق تحولات في التركيبة السكانية في المدن والقرى. وانعدام فُرص الأمنِ الغذائي . وبالتالي على الرغم من تأثيراتِ العوامل المُناخية في الهجرة إلا أنه لا يمكن دائماً إرجاع عمليات الهجرة إلى العوامل المُناخية فقط هناك عواملٌ أخرى تكون متداخلة مع التغير المُناخي مثل الصراعات والحروب التي تزيد من عمليات الهجرة وتؤثر في الأمنِ الغذائي للمجتمعات .
المراجع:
– موقع ويكبيديا. تعريف التغير المُناخي . تاريخ الولوج للموقع , 19تشرين الاول2023.
2- بن يامين سميث , 5ابريل2023 , المخاطرة بسلة الغذاء : كيف يهدد شخ المياه قطاع الزراعة في شمال شرق سوريا , مركز الامارات للسياسات . تاريخ الولوج للموقع 20تشرين الاول 2023 . https://epc.ae/ar/details/featured/almukhatara-bsllat-alghidha-kayf-yuhddid-shuhh-almiah-qitae-alziraa-fi-shamal-sharq-suria
3- صحيفة العرب. سكان شرق سوريا مهددون بالهجرة بسبب الجفاف والتصحر, https://alarab.co.uk/%D8%B3%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D9%824- كمال شاهين , سوريا:هل من ناج اخير, السفير العربي . https://assafirarabi.com/ar/47637/2022/09/22/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%87%D9%84-%D9%85%D9%86-%D9%86%D8%A7%D8%AC%D9%8D-%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%9F/