دوّن للأرض

أنت السبب
أنت السبب

أنت السبب في النهاية  

هل مررت يومًا بغابة صنوبر أو كستناء وخرجت منها مغمورًا بالسحر مأخوذًا بالدهشة؟…

لا نقصد هنا  الريف الإيطالي أو الإسباني بل تحديدًا غابات الصنوبر في ريف صافيتا وغابات الكستناء في ضهر القصير في حمص.

 هل فكرت يومًا إن كان الحزام الأخضر في سوريا سليمًا معافى ولم يتأثر بالحرب؟

هل قررت لمرة بأن تساهم في زراعة المزيد من الأشجار لتعوض جزءًا من السحر الذي فقدناه؟

تبدو المساحات الخضراء مشاهد طبيعية للبعض منا، نمر بها دون تفكير ولا نشعر بقيمتها في نظامنا البيئي، ولا في الأخطار المحتملة التي يمكن أن تواجهها، فقدان هذه المساحات الخضراء يعني فقدان أحد شرايين الحياة، ومصدر من مصادر الجمال التي تميز كوكبنا. 

التشجير معيار جودة الحياة: 

ربما لا يعلم كثيرون أن التشجير يعد معيارًا عالميًا لتقييم جودة الحياة في المدن فمثلًا نسبة التشجير في فرانكفورت الألمانية ٢١ بالمئة وتعد ضمن أفضل عشر دول من ناحية مستوى المعيشة عالميًا، وتبلغ نسبة الخضرة في مدينة لندن الإنجليزية ٨ بالمئة؛ فيها ٣٠٠٠ حديقة.

وللتشجير أهمية صحية وعاطفية ومالية؛ فالمنطقة ذات الأشجار تدفع الناس للحركة والنشاط بصورة ملحوظة و تقل فيها درجة الحرارة حوالي ه درجات بسبب انخفاض نسبة الغازات السامة والانبعاثات الحرارية بفعل التركيب الضوئي وزيادة الرطوبة، والمنطقة التي يوجد فيها عدد أشجار أكثر تحسن العلاقات والشعور النفسي، و ترفع من قيمة العقار. 

وبالطبع لايمكن أن نهمل دور التشجير كعنصر جذب سياحي، وقد انتبهت  بعض الدول في العالم إلى أهمية ذلك فقد بدأ هذا الاهتمام في إيطاليا تحت مسمى الأكروتوريسما agriturismo.

ومثال على ذلك أيضًا  مطار سنغافورة الذي يشهد حركة كثيفة، ونشاطًا سياحيًا فجزءٌ من تصميم هذا المطار غابة ساحرة.

الأشجار نظام بيئي متكامل: 

الأشجار مأوى للطيور وللعديد من الكائنات الحية وهي علاج طبيعي يحسن حواس التذوق والشم واللمس.كما أن الغابات مصانع طبيعية كبرى تفيد في عملية التركيب الضوئي، وقد ارتبط وجود الإنسان بوجود الغابات على مر السنين.

وللغابة مُناخُها الخاص فهو أكثر رطوبة واعتدالًا، وتكون فيها درجات الحرارة وحدة الرياح أقل، وتحافظ الغابات على تكوين التربة، وعلى خصوبتها، فهي تحميها من أشعة الشمس ومن الانجراف،  لأن جذور الأشجار تفيد في تثبيت التربة.

 وتتصدى للسيول والفيضانات لأنها تحد من انسيال الأمطار الغزيرة، وتسهم في تنقية المياه الجوفية، والهكتار الواحد من الغابات يصفي ١٨ مليون متر مكعب من الهواء من الغبار والشوائب ويمتص حوالي ٢٨٠ كغ من غاز ثنائي أوكسيد الكربون co2، ويطلق حول ٢٤٠ كغ من غاز الأوكسجين o2.

وللأشجار أهمية كبيرة  في  دورة المياه؛ إذ ترتفع كمية الهطول المطري نتيجة للكميات الكبيرة من بخار الماء الذي تطرحه الأشجار في الجو وتنخفض درجات الحرارة فوق الغابة بسبب امتصاص الطاقة الحرارية الضرورية التي تفيد في عملية النتح. 

الصنوبريات والكستناء في سوريا:

تنتشر الغابات الطبيعية في سوريا في مناطق عديدة وتمتد في شمال سوريا والوسط والجنوب وبعض مناطق شرق سوريا  يتخللها عدد من ينابيع الماء و الأنهار و البحيرات ومساقط المياه والشلالات؛ والغابات السورية غابات متوسطية ( غابات البحر الأبيض المتوسط ) .

تمتد الكثير من الغابات من ساحل البحر إلى أعالي الجبال، تتنوع فيها الأشجار الحراجية مثل الأشجار عريضة الأوراق (البلوط، والمخروطيات، وأشجار السنديان بأنواعه والبطم،  وأشجار اللزاب والشوح والأرز التي تشكل غابات على ارتفاعات عالية من الجبال السورية)، ويعيش في الغابات السورية أنواع عديدة من الحيوانات والطيور.

وتزخر غابات سورية بأشجار معمرة إضافة لأنواع الأشجار العالية، وتقع في حنايا هذه الغابات مدن وبلدات وقرى كثيرة تترامى في جنباتها.

الصنوبر السوري:

 تتميز غابات سوريا بوفرة أشجار الصنوبر فيها وخاصة الصنوبر البروتي، للصنوبريات أهمية اقتصادية كما أنَّها تفرز  موادًا وزيوتًا طيارة تنقي الهواء من الفيروسات والجراثيم خاصة السل لذا ينصح بزراعتها حول المشافي والمراكز الصحية

  الكستناء في سوريا:

 يتركز وجود شجرة الكستناء في  ضهر القصير، كما تتواجد أشجار الكستناء في منطقة جبل النبي متى.

الكستناء فاكهة الشتاء شجرة مثمرة بقيمة اقتصادية غذائية كبيرة لأنها غنية بالبروتين ويبدأ قطافها في الشهر العاشر، تتواجد في سوريا على قسمين طبيعي وصناعي،  الناتج حول ١٠ طن في الظروف الممطرة ودرجات الحرارة الملائمة، لا نراها كثيرًا لأنها تحتاج هطولات مطرية، وظروف زراعية مناسبة وتربة ملائمة.

ويكون قطافها بعد أن تتفتح أكوازها، وغالبا تسقط ٩٠ بالمئة من الثمار على الأرض وتجمع بعد ذلك.

كيف تأثرت الغابات في سوريا: 

تختلف الأسباب والنتيجة واحدة، الغطاء النباتي في سوريا يتدهور ويشمل هذا التدهور معظم المناطق السورية، إما بسبب الحرائق، أو الأعمال التخريبية، أو الظروف الاقتصادية التي تدفع الناس إلى قطع الأشجار، وقد كان للحرب في السنوات السابقة أثر مباشر ومدمر.

يتميّز الغطاء النباتيّ في سوريا بكثافة حراجية عالية (زيادة الوقود الطبيعي)؛ إذ تتشابك تيجان الأشجار بعضها مع بعض، وكذلك توجد طبقة سفلى من الشجيرات والأعشاب بكثافة كبيرة وتزيد من خطورة الحرائق ومن سرعة انتشار النار في حال لم يُخفَّف من كثافتها.

كما توجد معظم غابات محافظة اللاذقية في مناطق جبلية ذات درجة ميلٍ كبيرة (جبال شاهقة وسفوح شديدة الانحدار)، ممّا يعكس خطورة انتشار النار بسرعةٍ أعلى، وكذلك صعوبة شقّ الطرق؛ أي صعوبة وصول الآليات والعمال إلى مواقع الحرائق. 

وأيضًا تتداخل بعض الغابات  مع الأراضي الزراعية ممّا يزيد احتمالَ تعرُّض الغابات للحرائق نتيجة النشاطات السكانية المختلفة أثناء إنجازهم الأعمال الزراعيّة وخاصةً التخلّص من بقايا تقليم الأشجار (التحريق الزراعي)، وحرق مخلّفات المحاصيل الزراعية؛ إذ سُجِّل في الأعوام الماضية أكثر من حريق بسبب إهمال المزارعين لأراضيهم وعدم حراثتها.

أخبار الساعة ورأي التقارير العالمية والمختصين:

في تقرير سابق تحدثت مديرة المحطة البحثية للغابات، التي مقرها في طاحون الحلاة بمنطقة سهل الغاب بريف حماة، المهندسة دلال إبراهيم، لصحيفة “تشرين”: “كان هدف المحطة البحثية هو حماية أشجار الغابات والحفاظ عليها من الانقراض بسبب التهديدات التي تتعرض لها، والتي أدت إلى اختفائها نتيجة تدهور النظم الإيكولوجية للغابات بسبب التغيرات المناخية التي أثرت على بيئتها”. 

وتابعت: “لقد وصل الأمر ببعض أصناف الأشجار الحراجية إلى الانقراض من جراء الحرائق حينا وقطعها حينا آخر بهدف كسر المساحات من الغابات لزراعتها”.

وأضافت أنَّه وفقًا لاتفاقية التعاون العلمي مع المعهد الدولي للأصول الجينية، كان العلماء الدوليون يدرسون الصنوبر البروتي، وهو نوع طبيعي ينمو في الغابات السورية، ونبهوا في عام 2001 إلى أن هذه الأنواع قد تفقد وتتعرض للزوال في وقت ما من جراء الحرائق والقطع الجائر. 

 وأشارت إلى أن الأشجار الحراجية المهددة بالانقراض، هي “الخرنوب والبلوط الرومي، والزيتون البري، والمحلب البري، والدرار السوري، والتفاح البري والألموس الحقلي، والصنوبر البروتي”. 

وعلى وقع انتشار ظاهرة القطع العشوائي في المحافظات كافة، نبّهت منظمة “باكس” الهولندية “لبناء السلام” في تقرير أصدرته في وقت سابق من تنامي ظاهرة قطع الأشجار الذي أوعزته لأسباب مختلفة ، أهمها تجارة الحطب غير المشروعة.

إذ أورد التقرير أنّ “ارتفاع أسعار الوقود إلى جانب النزوح الجماعي يشكّلان الدافع الرئيسي لإزالة الغابات على نطاق واسع في أنحاء سوريا، إذ يقطع المدنيون الأشجار بهدف الطهي والتدفئة”.

وذكر أن محافظات اللاذقية (غرب) وحمص (وسط) وحلب (شمال) خسرت أكثر من 36 في المئة من أشجارها منذ عام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة.

وفي السياق ذاته أوردت سابقًا وكالة فرانس برس تقريرا، يشكو فيه سكان الحسكة من عوامل التغيّر المناخي كالجفاف وارتفاع درجة الحرارة مما تسبب بضرر مباشر على الغطاء النباتي هناك إضافةً لظاهرة القطع.

انعكاس الوضع الراهن على الحياة في سوريا:

من الظواهر الأخرى المنتشرة في قطرنا الرعي الجائر، و نزوح السكان من الأرياف إلى المدن، مما يؤدي إلى هجر مساحات كبيرة من الأراضي مما أدى إلى غزوها بنباتات ضارة متنوعة.

هذا الوضع المؤسف للغابات، يؤذي الكائنات الحية بشكل مباشر، وربما يؤدي إلى انقراض أصناف حيوانية بكاملها، كطائر الحسون مثلًا الذي جعل من قمم الأشجار ملاذًا له.

وقد سبق وأن انقرضت بعض الحيوانات المفترسة وغير المفترسة التي كانت تسكن هذه الغابات وتحمل هوية سوريا البرّية منها مثلاً، الدب السوري ونمر الأناضول والغزال الجبلي، وأصبحت كل أنواع الحيوانات البرية الأخرى مهددة بشكل كبير بالانقراض ” ، وهذا يشكل خسارة وطنية كبيرة للتنوّع الحيوي في سوريا لا يمكن تعويضه نهائياً.

خطوات لابدَّ منها: 

يعتمد معيار الخضرة الذي يجب أن نعتمده، لاستعادة عافية الغطاء النباتي على العدد ثلاثة، فلا يجب أن نرى أقل من ٣ أشجار من نافذة البيت، ويجب أن تكون ٣٠ بالمئة من مساحة الحي الذي نقطن فيه خضراء، وأن لا تبعد أقرب حديقة إلينا أكثر من ٣٠٠ متر.

ومن الممكن أيضًا أن تحافظ الحكومات والمنظمات على الغطاء النباتي والثروة الوطنية الخضراء بفرض الرقابة والغرامات على كل من يتسبب بالأذى للأشجار والمساحات الخضراء وأن لا تُستَبعد عقوبة السجن بمن يفتعل الحرائق. 

وتعد خطوة وضع أسوار حول المحميات ومنع استملاكها والإشراف على حمايتها من الخطوات الفاعلة أيضًا. 

وسيكون من الجميل القيام بحملات تشجير في المساحات المتضررة من الحرائق، والقطع، وتشجيع اليافعين في المدارس على العناية بحدائق المدرسة، وتوعيتهم حول هذه الثروة العظيمة.

 ومن المقترحات الأخرى التي يمكن تطبيقها تسيير رحلات سياحية وتثقيفية إلى الأماكن والمحميات الطبيعية، ليطلع المستفيدون على النظام البيئي الصحي والساحر عن كثب مما يحفزهم على الاهتمام بالغطاء النباتي. 

كما يُقال كلنا شركاء في التغيير، وإحسان أحدنا يتضاعف ليؤثر في غيرنا، فالأفكار النيِّرة في سبيل التغيير نحو الأفضل كالشجرة كلما أحسنت رعايتها تزدهر وتثمر ليعمَّ خيرها ويتضاعف.

كتابة: هناء قناطري

تدقيق: داليه عبد اللطيف

إقرأ أكثر مع SCP

(هذه التدوينة من مخرجات مشروع "دوّن للأرض" بالتعاون مع مشروع تمكين)