المؤلف: anmar saleh

مقابلة مع الدكتور محمد الدوماني

دكتورفي علم المناخ في جامعة دمشق

القصة من بدايتها:

هل لنا أن نتخيل أن كل مانمر به من آثار للتغير المناخي هو نتيجة ارتفاع معدل درجات حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية!

لنفهم الموضوع بكليّة علينا أن ننطلق بالقصة من البداية، التغير المناخي هو بكل بساطة التحولات طويلة الأمد في أنماط الطقس، ويوجد أساساً تغيرات مناخية إلا أن هناك طفرةً واضحةً في هذه التغيرات بدأت مع الثورة الصناعية إذ تشير العديد من الدراسات العلميّة المحكّمة إلى أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع هو أنشطة الانسان المعتمدة على حرق الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة وما يترتب عن ذلك من انبعاثات لغازات دفيئة تنطلق في الهواء وتستقر في الغلاف الجوي وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء وغاز الميثان، تسخن هذه الغازات الكوكب، ولكون اليابسة والماء تتصرفان بشكل مختلف مع ارتفاع الحرارة فتتغير مراكز الضغط الجوي المرتفع والمنخفض وبالتالي ستتأثر مسارات المنخفضات الجوية.

كل ذلك أصبح شائعاً ومفهوماً عند أصحاب القرار حول العالم ويظهر بوضوح في الإجماع الذي حصل في قمة باريس للمناخ 2015 حيث تعهدت 196 دولة بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول 2050، وذلك لمنع ازدياد معدل درجات حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.

المخيف أن المشكلة تتفاقم، فبدل أن تقلّ الانبعاثات وفق الخطط بمقدار 45٪ عما كانت عليه في 2010 بحلول 2030، إلا أن التقييمات تتوقع ازديادها بمقدار 10٪ ، ويجدر الإشارة أن هذه التقييمات لم تأخذ بعين الاعتبار تبعات الحرب الروسية الأوكرانية والتي دفعت بدول أوروبا إلى التراجع خطوات عديدة والعودة للاعتماد على مصادر طاقة ذات قدر عالي من الانبعاثات والتلويث على رأسها الفحم الحجري، “ربما هذه الأرقام محبطة وتعطينا انطباع عن صعوبة الوصول إلى حل في المستقبل القريب.”

تأثير التغير المناخي على سوريا حتى الآن:

حسناً نحن نعلم أن الغلاف الجوي للأرض واحد، والتغير المناخي لايميز الحدود ولايتغير بحسب كمية انبعاثات الدول، وسوريا جزء من هذا العالم، من الطبيعي أن تتأثر به، يمكننا بسهولة ملاحظة هذه التغيرات إذا راقبنا الهطولات المطرية في الفترة من 2007 إلى 2010 فقد تعرضت البلاد بشكل عام والمنطقة الشرقية والجزيرة السورية بشكل خاص إلى شُحّ شديد في كميات الأمطار السنوية الهاطلة مما أدى لتراجع الزراعة بشكل خطير وتراجع مساحة المراعي مما أثّر أيضاً على الثروة الحيوانية في هذه المناطق، وأمست مهنة تربية المواشي في خطر بعد أن تخلى عنها كثر وقام آخرون بتقليص تجارتهم وقطعانهم بسبب صعوبة تأمين العلف اللازم والمياه للمواشي، حالهم في ذلك كحال المزارعين الذين لم تعد زراعتهم تأمّن مردود يكفي تكاليفها، فلا السماء أمطرت كالمعتاد وتركيا ابتلعت حصة سوريا من نهر الفرات في سدودها، وكل ذلك ترافق مع غياب شبه تام للدعم الحكومي عن الفلاحين لتعويض خسائرهم مما دفع عدد كبير لترك أراضيهم ومهنتم ولهجرة نحو المدن أو الخارج بحثاً عن عمل جديد يستطيع تأمين احتياجات عائلاتهم ومستلزمات حياتهم.

الآثار المتوقعة للتغير المناخي في الأعوام القادمة على سوريا:

المقلق أن التغيرات المناخية آخذة بالتفاقم والاستقطاب أكثر فمن جهة أمطار غزيرة وفيضانات وموجات برد شديدة وموجات حرّ غير مسبوقة وندرة في الأمطار من جهة أخرى، وسوريا لن تكون بمعزل عنها موجات حرّ في الصيف تسجل درجات حرارة قياسية، وبما أن المناخ السائد في سوريا هو مناخ متوسطي أي أن أمطاره شتوية وصيفه جاف، فسنشهد بشكل متزايد حرائق صيفية مشابهة لحرائق عام 2020، وفي المقابل أمطار غزيرة وسيول في فصل الشتاء.

هل فاتنا القطار؟

أبداً لم يفتْنا القطار، فالتغيرات المناخية لاتحدث بين ليلة وضحاها، إنما تحدث بشكل تدريجي وطويل الأمد، فلو استطعنا اليوم أن نجعل انبعاثات غازات الدفيئة الجوية صفر، فالتغيرات المناخية ستستمر لعدة عقود تالية، ذلك لأن هذه الغازات وبشكل خاص ثاني أكسيد الكربون تبقى عالقة في الغلاف الجوي لفترات طويلة جداً. فمهم جداً أن نفهم أن علينا أن نعمل على مستويين أولهما هو العمل لكبح التغيرات المناخية وخفض الانبعاثات من أجل المستقبل والمستوى الثاني هو فهم الواقع الجديد المفروض علينا بكلية والتأقلم معه، واقع قد يكون إيجابي في بعض جزئياته، على سبيل المثال في محافظة القنيطرة كانت تنحصر زراعة الزيتون في جنوب المحافظة لأنه لايتلقى كميات كبيرة من الهطولات الثلجية كالقطاع الشمالي للمحافظة الذي يرتفع لأكثر من 950 متر فوق سطح البحر مما يسبب تكسر أغصان أشجار الزيتون دائمة الخضرة، وبالتالي كانت نادرة زراعة الزيتون في هذا الجزء لكن مع بداية الألفية الجديدة وبسبب تغير نموذج التساقطات، والتي أصبحت في معظمها مطرية، أخذت زراعة الزيتون بالانتشار على نطاق واسع في شمال القنيطرة وأصبح محصول الزيت والزيتون يشكل مورد اقتصادي هام لسكان هذه المنطقة.

نعم يمكن تحويل التحديات لفرص أحياناً لكن لا ينفي ذلك الأخطار والتحديات المقبلة علينا نتيجة التغير المناخي والسؤال الأول الذي يطرح مؤخراً هل يمكن ان نرى حالات نزوح مناخي في سوريا كما هو متوقع في المناطق الأكثر تضرراً حول العالم والإجابة بكل واقعية أن لاشيء مستبعد، في الحقيقة موجات نزوح 2007-2010 في المناطق الشرقية خصوصاً تعتبر بداية نزوح مناخي.

ماذا نفعل؟

في الحقيقة النصائح الواجب إعطاءها لمجابهة التغير المناخي لايجب أن تكون على نطاق محلي، فالدول ليست عبارة عن صالات لها جدران وسقف فإن قامنا في سوريا بتصفير انبعاثات غازات الدفيئة وبقيت باقي الدول على نفس منوالها الحالي فلن يتغير شيء. يجب أن نعلم جميعاً أن مجموعة G20 أي الدول ذات أقوى عشرين اقتصاد في العالم مسؤولة عن 75٪ من مجمل الانبعاثات في العالم، وهذه الدول على وجه التحديد يجب أن تتخذ خطوات كبيرة وفارقة في تخفيض بصمتها الكربونية، لتكون خطوات باقي الدول مكملة لهذا العمل الجماعي الذي يخفف معاناة البشرية في المستقبل.

أما قمة المناخ:

وحول قمة المناخ المقامة في شرم الشيخ المصرية COP27 لا أنتظر منها الكثير، فأنا أراها بأنها قمة للغسيل الأخضر أكثر منها لاتخاذ إجراءات صارمة في سبيل محاربة ظاهرة التغير المناخي، والمقصود بالغسيل الأخضر هو تبني شركات ودول كبرى لشعارات رنانة في مجال الطاقة النظيفة، والزراعة المستدامة وحلّ مشكلتنا الأساسية، لكن على أرض الواقع لايوجد أفعال تتناسب مع حجم المشكلة، أي أن هذه الشعارات في كثير من الأحيان موجودة فقط على الشاشات وفي المؤتمرات للتسويق لهذه الدول والشركات.

كلمة أخيرة للشباب السوري

المبادرات التي تم تسجيلها في الأمم المتحدة قد تجاوزت 26000 مبادرة ولكن هذه المبادرات يجب أن تخرج من إطار الكلام النظري إلى العمل، يجب أن نبدأ بالتنفيذ.

تحرير: أنمار صالح

تدقيق: ميمونة معروف

تاريخ النشر 04/12/2022