كورونا، رمية من غير رامي
من وحي كورونا حلول نحو بيئة مستدامة واقتصاد أخضر (الجزء الأول)
استيقظَتْ صباحًا على أصوات الطيور ونسمات الهواء العليلة التي تراقص ستائرَ غرفتِها، أطلَتْ من نافذتِها لترَ سماءً صافية لا يعكرُها شيء، استغربَتْ لماذا لم توقظْها أصواتُ ضجيج السيارات كالعادة، أو ضوضاءُ العابرين من الشارع.
رنَتْ بناظريها نحو الحديقة المجاورة، فأدهشَتْها خضرةُ الأشجار، ونُضرتُها، تساءلَتْ لماذا لم تعكرْ صفوةَ هذا المشهد عوادمُ الدخان كالعادة، خرج من فمِها صوتٌ مشدوه برؤية الحيوانات البرية تغزو الشارع طيور النعام، والغزلان…،
فَتحت الصنبور لتغسلَ وجهَها فأضاءَ عيونَها بريقُ المياه؛ إنَّها صافيةٌ نقية ولأول مرة صدقَّتْ ما تعلمَتْهُ في صغرِها أنَّ الماءَ لا لون له ، سحرَها هذا الجمال، سحرَتْها الطبيعة وسرحَتْ بمشاهدِها الآسرة إلا أن عادت لوعيها، وسألت، لكن…أين البشر؟
هنا سنتحدث عن حقائق إيجابية، خلفتها تجربة فيروس كورونا، سيتفاجئ البعض من فوائد كورونا ع البيئة على الرغم من أضراره الكثيرة، و تسببه بخسارات بشرية قاسية، سنتحدث عن أثر فيروس كورونا الإيجابي ع الكوكب بمكوناته ( الماء، الهواء، التربة…)
كورونا والبيئة:
تركت تجربة كورونا المأساوية أثرًا عميقًا لدى الشعوب، وغيَّرَتْ شكل الحياة التي نعيشها واعتدنا عليها، وأثارت في النفوس آلامَ المرض والفقد وكانت قاسيةً جدًا لدرجة أن الحياة تعطَّلَتْ معها .
ولكن كان للبيئة رأيُها بهذا الصَّدد، فلأول مرة في تاريخنا المعاصر استطاعت أمُّنا الطبيعة أن تتنفس بعد أن انخفضَتْ نسبة الغازات السامة في الهواء بصورةٍ ملحوظة، وصارت سماءُ المدن الأكثر ازدحامًا صافية، والمياه في الأنهار عذبةً نقية، شعرَتْ الكائنات الحية الأخرى من غير البشر بالأمان، وبدأت تظهر في أماكن غير متوقعة، وكأنها تقول لنا لستم الوحيدين في هذا العالم، لكنَّا لم نكن نشعر بالأمان في وجودكم.
اختفى التلوث الضوضائي بسبب الإغلاقات التي فرضتها الحكومات للوقاية من انتشار الجائحة، فلا سيارات في الشوارع ولا ازدحامات مرورية، ولا تجمعات. المطارات مغلقة في كل مكان والنشاط السياحي توقف، مما أدى إلى تقليص البصمة الكربونية بشكلٍ كبير، فحتى المصانع لم تعد تعمل وكذلك الممرات المائية والملاحة البحرية
لكن…أكان من الضروري أن يحلَّ بالبشرية هذا الوباء القاتل ليتنبَّهوا إلى ممارساتهم الخطيرة التي تدمر الكوكب؟
كورونا صفعةٌ على وجه البشرية، كل الانفراجات البيئية التي حصلت قي تلك الفترة مؤقتة, فعلينا أن نتعلم من هذه التجربة المّرة ما يفيدنا، ونفكر بحلول دائمة لإنقاذ كوكبنا، فهاهو الوباء قد انتهى وعاد كلُّ شيْءٍ إلى سابق عهده وأسوأ، نحن اليوم نكرر أخطاءنا مع البيئة متناسين الأضرار التي يمكن أن تحدث.
فقد نسي العالم الاختبار القاسي خلال مدةٍ وجيزة اقتصرت على سنتين، نحن اليوم غافلون لسنا على درجة من الوعي تؤهلنا للتفكير بالأضرار والأمراض التي يمكن أن تلحق بنا في المستقبل كنتيجةٍ مباشرة للممارسات عديمة الرحمة تجاه بيئتنا أولًا وأنفسِنا ثانيةً٠
كورونا إحدى الأوبئة ويمكن أن يظهر غيرها ,و سببها المباشر التلوث والغازات السامة والاحتباس الحراري وغير ذلك
:الحد من تلوث الهواء
انخفضت مستويات تلوث الهواء في نيويورك بنسبة 50% تقريبًا بسبب التدابير المتخذة للسيطرة على الفيروس، وتشير التقديرات إلى حدوث انخفاضٍ بنسبة 50٪ تقريبًا في أكسيد النيتروز وثاني أكسيد الكربون بسبب إغلاق الصناعات الثقيلة في الصين ,كما حصل هذا الانخفاض في العديد من البلدان (مثل الولايات المتحدة وكندا والصين والهند وإيطاليا والبرازيل وفرنسا وإسبانيا وغيرها).
قطاع النقل
من المفترض أن قطاع النقل المتمثل في المركبات والطيران يساهم بحوالي 72% و11% من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسبب الضرر الأكبر للبيئة ,وعندما اتُخِذت الإجراءات اللازمة عالميًا لاحتواء الفيروس توقف النشاط المروري وانخفضت معدلات التلوث.
إذ تم إلغاء الرحلات الجوية العالمية من قبل شركات الطائرات التجارية، مما أدى في النهاية إلى خصم ما يقرب من 17% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
قطاع النفط
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)انخفض الطلب على النفط بمقدار 435 ألف برميل عالميًا في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019 علاوة على ذلك، انخفض الاستهلاك العالمي للفحم أيضًا بسبب انخفاض الطلب على الطاقة خلال فترة الإغلاق بنسبة 26% في الهند مع انخفاض إجمالي توليد الطاقة بنسبة 19% بعد الإغلاق، و انخفض في الصين التي تعد أكبر مستهلك للفحم في العالم، بنسبة 36% مقارنة بالفترة نفسها من بداية عام2019 .
:الحد من تلوث المياه
يعد تلوث المياه ظاهرة شائعة في دولة نامية مثل الهند وبنغلادش، حيث يتم إلقاء النفايات المنزلية والصناعية في الأنهار دون معالجة؛ خلال فترة الإغلاق تقلصت مصادر التلوث الصناعي الرئيسية أو توقفت تمامًا٠
وبسبب فرض الحظر على التجمعات العامة، انخفض عدد السياح والأنشطة المائية في العديد من الأماكن يُذكر أنه بسبب إغلاق فيروس كورونا أصبحت القناة الكبرى في إيطاليا واضحة، وظهرت العديد من الأنواع المائية مرة أخرى كما انخفض تلوث المياه في المناطق الشاطئية في ماليزيا وتايلاند وجزر المالديف وإندونيسيا.
انخفضت كمية هدر الطعام في تونس، مما يقلل في النهاية من تلوث التربة والمياه٠وبسبب انخفاض أعمال التصدير والاستيراد، تراجعت حركة السفن التجارية وغيرها من السفن على مستوى العالم، مما يقلل أيضا من الانبعاثات وكذلك التلوث البحري
الحد من التلوث الذي يسببه القطاع السياحي
شهد قطاع السياحة خلال السنوات القليلة الماضية نمواً ملحوظاً بسبب التقدم التكنولوجي وشبكات النقل؛ والتي تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تشير التقديرات إلى أن صناعة السياحة مسؤولة عن 8% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية.
ومع ذلك، فإن الأماكن ذات الجمال الطبيعي (مثل الشواطئ والجزر والمنتزهات الوطنية والجبال والصحراء وأشجار المانغروف) عادة ما تجتذب السياح؛ ولتسهيل استيعابهم تم بناء الكثير من الفنادق والموتيلات والمطاعم والحانات والأسواق، مما يستهلك الكثير من الطاقة والموارد الطبيعية الأخرى٠
علاوة على ذلك، يقوم الزوار بإلقاء النفايات المختلفة التي تضر بالجمال الطبيعي وتحدث خللاً بيئيًا؛ وبسبب تفشي فيروس كورونا والقيود المحلية انخفض عدد السياح في المواقع السياحية حول العالم، وراق لون مياه البحر التي عادة ما تبقى عكرة بسبب السباحة والاستحمام واللعب وركوب القوارب الآلية.
وبسبب انخفاض التلوث، تم الإبلاغ عن عودة الدلافين إلى ساحل خليج البنغال (بنغلادش) والقنوات والممرات المائية وموانئ البندقية (إيطاليا) بعد عقد طويل
حقائق سلبية خلفتها تجربة كورونا
لعلَّ من أهم التأثيرات السلبية على البيئة التي نتجت عن هذه الأزمة، زيادة توليد النفايات الطبية الحيوية؛ إذ إنَّه منذ تفشى فيروس كورونا تزايد إنتاج النفايات الطبية على مستوى العالم، مما شكل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة والبيئة٠
فقد تمَّ جمع عينات من المرضى المشتبه في إصابتهم بكوفيد-19، وتشخيص وعلاج عدد كبير من المرضى، ولأغراض التطهير، يتم توليد الكثير من النفايات المعدية والطبية والحيوية من المستشفيات.
على سبيل المثال، أنتجت مدينة ووهان في الصين أكثر من 240 طنًا متريًا من النفايات الطبية يوميًا خلال فترة تفشي المرض وهو ما يزيد بحوالي 190 مليون طن عن الوقت العادي، وكذلك في مدينة أحمد آباد بالهند، زادت كمية النفايات الطبية المولدة من 550-600 كجم في اليوم إلى حوالي 1000 كجم في اليوم في وقت المرحلة الأولى من الإغلاق، والأمر نفسه في العديد من المدن الأخرى٠
مثل هذا الارتفاع المفاجئ في النفايات الخطرة وإدارتها شكل تحديًا كبيرًا لسلطات إدارة النفايات المحلية؛ إذ كان ينبغي إدارة النفايات الناتجة عن المستشفيات (مثل الإبر والمحاقن والضمادات والأقنعة والقفازات والأنسجة المستعملة والأدوية المهملة وما إلى ذلك) بشكل صحيح، للحد من المزيد من العدوى والتلوث البيئي، وهو الأمر الذي أصبح مصدر قلقٍ عالميًا٠
على سبيل المثال، زادت الصين إنتاجها اليومي من الأقنعة الطبية إلى 14.8 مليون منذ فبراير 2020، وهو أعلى بكثير من ذي قبل، ومع ذلك، نظرًا لنقص المعرفة حول إدارة النفايات المعدية، يقوم معظم الناس بإلقاء هذه النفايات (مثل قناع الوجه وقفازات اليد وما إلى ذلك) في أماكن مفتوحة وفي بعض الحالات مع النفايات المنزلية , يؤدي هذا الإلقاء العشوائي لهذه النفايات إلى انسداد مجاري المياه ويزيد من التلوث البيئي٠
وأدى توليد النفايات الصلبة المنزلية، والحد من إعادة تدويرها (العضوية وغير العضوية) إلى آثار مباشرة وغير مباشرة على البيئة، كما أدت سياسات الحجر الصحي المعمول بها في العديد من البلدان إلى زيادة الطلب على التسوق عبر الإنترنت للتوصيل إلى المنازل، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة كمية النفايات المنزلية الناتجة عن مواد التغليف المشحونة٠
و تمَّ استخدام كمية كبيرة من المطهرات في الطرق والمناطق التجارية والسكنية للقضاء على الفيروس؛ وقد يؤدي مثل هذا الاستخدام المكثف للمطهرات إلى قتل الأنواع المفيدة غير المستهدفة، مما قد يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي٠
أما في منطقة الأمازون وفي البرازيل، سارع قاطعو الأخشاب غير القانونيين إلى تدمير غابات الأمازون المطيرة بينما يجتاح فيروس كورونا البلاد؛حيث وفقًا لبيانات الأقمار الصناعية الصادرة عن وكالة أبحاث الفضاء تم تطهير الأراضي بنسبة 64 بالمائة في أبريل 2020 مقارنة بالشهر نفسه من العام 2019 ؛ إذ واجه قاطعو الأخشاب وعمال المناجم ومربي الماشية بشكل غير قانوني عوائق قليلة من جانب السلطات أثناء استيلائهم على الأراضي العامة، واتخذوا كورونا كغطاء للتهرب من المحاسبة والمسؤولية.
عادةً ما يتم إشعال النار في النباتات التي تم إزالتها بعد أن تجف ويتسبب الدخان الكثيف الناتج في زيادة مشاكل القلب والرئة٠
نظرة شفافية
في المملكة المتحدة، شهد مليونا شخص يعانون من أمراض الجهاز التنفسي انخفاضًا في الأعراض؛ وكان التغيير واضحًا من الفضاء، حيث التقطت الأقمار الصناعية انخفاضًا واضحًا في أحزمة الضباب الدخاني فوق ووهان في الصين وتورينو في إيطاليا، وفي كاتماندو، نيبال، اندهش السكان عندما تمكنوا من رؤية جبل إيفرست لأول مرة منذ عقود، لكن المكاسب كانت قصيرة الأجل٠
ختاماً
يجب أن يتعلم العالم درسًا مما سمَّاه العلماء التجربة غير المقصودة، وأن تتكاتف جهود المجتمعات الدولية والمحلية لتعقد سلامًا مع الطبيعة، لنأخذ بعض الخطوات الإيجابية نحو بيئة آمنة وصحية مستدامة، وكوكب سليم ومعافى، وحياة أفضل لا يطغى عليها الخوف من أمراض أخرى غير مخطط لها، ولا يمكن مواجهتها بما نملكه من مقومات، فالعالم يتغير بسرعة وعلى نحو مفاجئ لذا علينا أن نسعى ليكون هذا التغيير نحو الأفضل، لا أن تصادفنا عوائق ومعضلات أخرى عسيرة الحل