حكاية كوكب
أهدي قصتي لكل كوكبٍ لايريد أن يقع في ورطتي ، كنت يوماً في شبابي لامعاً مبهراً كالنجوم ,واليوم حولولني إلى أسوء عبرة .
تخيل نفسك كوكباً لطيفاً نوعاً ما تسبح في الزمكان وتتسلى بالتغزل بتدويرتك ، ناهيك عن الغرور بأنك الكرة الوحيدة التي يسكن فيها كائنات غريبة تتنفس وتأكل وتتكاثر وتختلف وترضى وتعيش بسلام.
وعلى حين غرة تتحول إلى كوكبٍ مثيرٍ للشفقة ؟ نعم !!وبكل أسى سأسرد تفاصيل قصتي . لذا أرجوكم خذو العبرة مني ولاتصبحو مثلي.
لاتُمَسِّك لبشريٍ نار
في يومٍ ما ، بلحظة من لحظات الغفلة المخيفة ، كانت كائناتك تلعب بحجرين من أحجار الطبيعة وفجأة نتج عن هذا اللعب كيانٌ جميلُ اللون وكأنه شمسٌ صغيرةٌ جداً ,وبدأت حينها تزداد نسبة الكربون في غلافك ,لكنك لم تعط أهمية للموضوع أبداً.
ولم يكتفوا بذلك ، لا!! بل أن غريزتهم المُحبة للقتل دفعتهم للاستعاضة عن قتل بعضهم بالسيف والمصنوعات الحجرية إلى شيء أسموه الأسلحة النارية ,حيث وظفوا النار التي اكتشفوها لذلك ياصديقي ,فإن مررت بنفس قصتي تذكر جملتي “بحّياتك لاتمسّك لبشري نار”
خير مافيهُم…!!!! ودخُانُن بيعمل احتباس
مرت الأيام ومشت .وهذه النسبة الصغيرة من الزيادة لم تكن تؤثر شيئاً ، وكانت كائناتك فضوليةً غبية بعض الشيء لأنها قد تدفع حياتها ثمناً لإرواء فضولها .ففي يومٍ من الأيام وهم يحفرون في طبقاتي ، اكتشفوا شيئاً من مجوهراتي .
كان هو الفحم ولم أعرف ما هو السبب الذي دفعهم لأن يجربوا اشعالهم وياليتهم لم يفعلوا .فحين عرفوا كيفية استخدامه لم يتركوا حيزاً فيَّ إلا وملأوه به .
فلم يعد يعجبهم أن يتنقلوا بأحصنتهم أو مشياً ، لا بل تفالحوا وصنعوا سياراتٍ وقطارات ليتنقلوا بها ، دون أن يلقوا بالاً إلى مرارتي التي أعيشها من كربون القطارات والسيارات “خير مافيهُم ..!!!ودخُانُن بيعمل احتباس” هذا إذا تناسينا كيف أعدموا أراضييَ البريئة ليشقوا طرقاً وسككً حديدية لهم .
ومنذ أن صنعوا هذه الاختراعات ومابقا يتهدوا ، أصبحت هناك منافسةً شرسة بينهم ، مَن سوف يخنق الأرض ويجعلها تكره ثيابها قبل ، وذلك من عدد السيارات التي يخترعونها إلى القطارات .واستمرو هكذا واستهلكو الفحم الحجري إلى أن وصل بهم الأمر إلى الطامة الكبرى .
لازلت أذكر تلك اللحظة كأنها البارحة ، لازلتُ أخاف ويرجف مداري بسببها ، اللحظة التي أعلنوا فيها الثورة الصناعية .
لم يعد يستطيع البشريون الباكاوات أن يعملوا بأيديهم ، لقد مكننوا كل المهن من الفلاحة وصولاً للتصنيع . وليس هناك مايدعو لأخبرك ماذا حصل في مستويات الكربون لدي .
وبعد كل هذا وفي بدايةِ ما أسموه “قرنهم التاسع عشر ” انتبه البشر بأن هناك خطبٌ ما ، أخيراً انتبه العظماء إلى الأرض المنكوبة ، انتبهوا أن هناك شيئً يحصل ، وكل ما فعلوه هو تسميته بالاحتباس الحراري .
لكنهم وبكل أسى انتبهوا فقط ولم يفعلوا شيئاً أبداً ، ظلوا على حالهم واستهلاكهم للفحم الحجري .قاموا ونددوا وتوعدوا ودافعوا عني ، ومن ثم عادوا إلى أفعالهم بضميرٍ مرتاح متوفي.
وضربوا بعضهم بقنابلٍ نووية ، وذرّية وأسلحة دمارٍ شامل ، ولم يتوقفوا عند إنتاج الكربون على الأرض, بل أخذوه ونثروه في السماء والفضاء ,عبر طائراتهم ومكوكاتهم الفضائية .أقسم لك بكل أغلفتي وطبقاتي أنني رأيت مشاهد من البشر لم أرها أبدا إلا لحظة الإنفجار الكوني العظيم ، لكن الفرق أنهم صرفوا كربون وفي الانفجار الكوني العظيم لم يُصرف أي كربون .
يادارة دوري فينا
وحين تفالحوا وقرروا التحول من الفحم الحجري إلى كهربائهم ، أنتجوها بالفحم الحجري والوقود و يادارة دوري فينا
واليوم بعد أكثر من 12 قرنً من الاستنزاف المتواصل من قبل البشر لبيتهم الأرض ، من حروبً بكافة أشكالها ناريةً وذرّية ونووية ، عدا مصانعهم ومعاملهم ومعداتهم ، حاول بعضهم أن ينبه الباقي ويغير سلوكه ، أسموا حالتهم هذه بالظاهرة الدفيئة ثم الاحتباس الحراري وأخيراً بالتغير المناخي ,والآن يحاول البشر أن يصلحوا ما أفسدوه لكنهم يتناسوا أنه لن يصلح العطار ما أفسده البشر.
يتباكى البشر على حالهم ، يخافون ويرتعدون لمجرد شعورهم بأنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة ، يخافون من الفناء ولكنهم نسوا أن أنانيتهم هي من أوصلتهم إلى هذه النقطة .يعقدون المؤتمرات ، يوقعون الاتفاقيات ، وينفذون بعضها ويضحكون على بعضهم بالتمثيل بأنهم ينفذون الاتفاقيات .
يبكي البشر ويصلّون إلى آلهتهم ، ويطلبون من الأرض أن تسامحهم .ينظرون إلىَ بعيونٍ دامعة ويتظاهرون بالبراءة بعد أن قتلوا أبنائي من الكائنات الأخرى وتسببوا في نفوق الباقين بشكل غير مباشر .يبكون ويخبرونني أنهم يحبوني ، بس اللي بيحبني بينتبه لإشاراتي وبيحميني متل ما بيحمي لعبتو.
هنا وصلتُ لنهاية حكايتي ، وهذه وصيتي إلى كل الكواكب التي قد تستضيف البشر يوماً ما بعد أن يحيلوني إلى التعاقد ، تظاهروا بأنه لاحياة عندكم أو اقطعوا عنهم كل ماذكرت .