المهلة الأخيرة؟ ساعتي نهاية العالم
نستيقظ صباحًا عندما يرن المنبه، نشربُ فنجانَ قهوتِنا تمرُ نصفَ ساعةٍ، نرتدي ملابسَنا، ننطلقُ إلى عملِنا قبلَ ربعِ ساعةِ من أن تدقَّ الثامنة، نعود وفقَ ساعةٍ معينة، نعودُ إلى التزاماتِنا المنزلية.
عندما يكون الإنسانُ مستغرقًا في إنجاز أعماله والتزاماته، فإنَّه يتأثر بكل دقيقةٍ من وقته تضيع من دون تخطيط.
كلُّ شيْءٍ مضبوطٌ وفقَ ساعةٍ يعرفُها الجميع تتألف من ٢٤ ساعة في كلِّ ساعة ٦٠ دقيقة وفي كلِّ دقيقة ٦٠ ثانية، ما من ساعةٍ أخرى، حسب التوقيت الوحيد المتعارف عليه …توقف للحظة هل قلت الوحيد .. نعم إنَّه الوحيد المعروف لنا لكن هل يوجد توقيت آخر؟…إذًا ألم يسبق لك وأن سمعت بالساعة المناخية، أو بساعة يوم القيامة؟
اعلموا أنَّكم إن لم تسمعوا بها سيأتي يوم وتفقدون إحساسكم بالوقت، لن يكون همُّكم الاستيقاظ المبكر، أو الذهاب للعمل أو قضاء لحظاتٍ جميلة مع العائلة، بل سيكون همُّكم الوحيد أن تنجوا بأرواحكم، ستكون تلك النشاطات مجرد ذكرى أو رفاهية.
إن لم تعيروا انتباهكم لهذه الساعات التي تضبطُ كوكَبنا ستكونوا في مشكلة كبيرة، ستخسروا بيئتكم وأرضكم الأم.
“الساعة المناخية” و”ساعة القيامة “:
هل تعلمون أنَّه بحسب الساعة المناخية مازال أمامنا ما يقارب الخمس سنوات ونصف قبل ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل يزيد على ١.٥ درجة، وهذا الارتفاع يسببُ أضرارًا كبيرة على عملية التوازن البيئي، وبحسب ساعة يوم القيامة فإنَّنا في الربع الأخير قبل النهاية.
بداية تكوين ساعة القيامة
في رأي أعضاء علماء الذرة الَّذين اجتمعوا لأول مرة عام 1945 في جامعة شيكاغو تحت مسمى مشروع مانهاتن، تعتبر الساعة، التي تم الحفاظ عليها منذ عام 1947، بمثابة استعارة للتهديدات التي تواجه البشرية من التقدم العلمي والتكنولوجي الجامح.
كانت الساعة في الأصل من عمل مارتيل لانجسدورف، وهي فنانة مناظر طبيعية، وعضو في مشروع مانهاتن.منذ طرحها قبل 75 عامًا، تحركت عقارب الساعة إلى الخلف والأمام استجابةً للتحولات الجيوسياسية والتقدم العلمي.
وفي عام 1953، تم ضبط الوقت على دقيقتين قبل منتصف الليل بعد أن قامت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي باختبار الأسلحة النووية الحرارية لأول مرة، وفي عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتوقيع معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية، تم إرجاع التوقيت إلى 17 دقيقة قبل منتصف الليل، وهو أبعد وقت تصل إليه في تاريخها.
حيث أكد علماء المناخ والهيئات الدولية ذات الصلة على الاقتراب من الخطر بالعد التنازلي لدقاتها؛ وتقدم دقاتها يعتمد على ممارسات البشر فيما يخص الانبعاثات النووية المدمرة للبشر، وللكائنات الحية جميعها، وللكوكب.
واليوم حسب ساعة يوم القيامة دقَّ ناقوس الخطر. ففي عام 2024 تم ضبطها لتكون على بعد ٩٠ ثانية من النهاية قبل منتصفِ الليل، وهذا الرمز يمثل احتمال وقوع كارثة عالمية من صنع الإنسان وهو التهديد الذي تم اختراع ساعة يوم القيامة لتوضيحه قبل 75 عامًا إنَّها الحرب النووية.
وأكدت راشيل برونسون، الرئيس والمدير التنفيذي لنشرة العلماء الذريين: “العالم ليس أكثر أمانًا مما كان عليه في هذا الوقت من العام الماضي”. “تستمر ساعة يوم القيامة في التحليق بشكل خطير، لتذكرنا بحجم العمل المطلوب لضمان كوكب أكثر أمانًا وصحة.”
لاشك أن تغير المناخ يتفاقم عامًا بعد عام وللتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والأسلحة المستقلة، وحتى القرصنة الإلكترونية المتقدمة مخاطرُها في ظل هذا التغيير، يصعب قياسها ولكنها تظل مخاطر حقيقية للغاية.
بداية تكوين الساعة المناخية :
في عام 2009، أقام بنك دويتشة لوحة إعلانية لعداد الكربون على ارتفاع 70 قدمًا فوق ساحة التايمز في نيويورك، لتتبع المعدل المقلق لانبعاثات الكربون التي تطلقها البشرية والتي تقدر بحوالي (2 مليار طن شهريًا) وهذا العداد هو ما يعرف بالساعة المناخية.
والساعة المناخية تقيس الخطر حسب معدل زيادة انبعاثات الغازات السامة كالوقود الأحفوري وغاز ثنائي أوكسيد الكربون، والميتان ,هذه الغازات التي تسبب ارتفاعًا في درجة حرارة الكوكب, وهذا الارتفاع يؤدي إلى تغيير كبير وضرر متفاقم في النظام البيئي.
حيث تُظهر ساعة المناخ مقدار الوقت المتبقي قبل أن تؤدي استمرار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 1.5 درجة على الأقل من الاحتباس الحراري، وهي عتبة رئيسية لأهداف المناخ العالمية بموجب اتفاقية باريس التي تبنت أهدافها 197 دولة في مؤتمر الأطراف21، بتاريخ 12 كانون الأول عام 2015.
في حياتنا الآن الوقت المتبقي على مدار الساعة يقل عن ست سنوات، بعبارة أخرى، إذا استمر الناس في ضخ نفس الكمية تقريباً من تلوث ثاني أكسيد الكربون على مدى السنوات الخمس المقبلة، فلن نتمكن بعد الآن من الحد من تغير المناخ بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة من الاحتباس الحراري.
اليوم، أصبح كوكب الأرض أكثر حرارة بنحو 1.1 درجة مئوية عما كان عليه قبل الثورة الصناعية، وذلك بسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفوري؛ وهو ما يؤدي إلى موجات حارة أكثر شدة، وحرائق الغابات، والعواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر.
فارتفاع درجة الحرارة لدرجتين ربما يسبب فيضانات في الموانئ، و ٣ درجات تؤثر على الغابات المطيرة الاستوائية في الأمازون، و٤ درجات تختفي جبال جليدية، و ٥ درجات تؤدي إلى ظروف جوية غير عادية على كوكب الأرض، و٦ درجات ربما تدمر طبقة الأوزون وبالتالي البشرية.
هل يمكن أن نعود بالزمن إلى الوراء؟
طبعاً لا، في الأحوال الطبيعية، ونظام الحياة، لكن هناك دائماً أمل…في إصلاح الأمور وخاصة ساعتي المناخ والقيامة.
أما عن الوقت المناسب لننقذ كوكبنا فهو قبل أعوام من الآن؛ بمعنى آخر إن لم نسرع ونتكاتف ونكثف الجهود فإننا قاب قوسين أو أدنى من الهاوية؛ فكما تقول بيكا ريتشي، مديرة المجتمع العالمي لمنظمة ساعة المناخ: “أفضل يوم لاتخاذ إجراء كان بالأمس“.
أما عن الإجراءات التي يجب اتباعها لنُهدي كوكبنا وأنفسنا وقتًا إضافيًا فهي كثيرة لن نتكلم عنها على المستوى العام والأمني، فجميعنا يدرك أهمية إيقاف حروب الدمار الشاملة ,هذه الحروب التي تستنزف أرواح البشر وموارد البيئة.
لكن يحب أن نضيء حول بعض الإسهامات الفردية والضرورية والتي لابد منها آملين أن يتسع نطاق تأثيرها في المستقبل القريب، كالاعتماد على مصادر الطاقة البديلة ( الشمس والرياح)، والتشجير، وإعادة التدوير، واستخدام المنتجات الأقل ضررًا للبيئة والتي يمكن استخدامها لأكثر من مرة سواء أكانت حافظات الماء، أو أكياس البضائع.
والأهم من ذلك خطوة الاحتجاج على سياسة الشركات بالتخلي عن مواد التغليف غير الضرورية لهم ,واستخدام الورق القابل لإعادة التدوير وشراء منتجات الشركات الصديقة للبيئة، وتوفير الطاقة كإغلاق الأنوار غير الضرورية وحذف رسائل البريد الإلكتروني غير الضرورية من الصندوق.
بتراكم الجهود الصغيرة نربح دقيقة إضافية، لماذا لا نحول الأزمات إلى فرص والعوائق لنقاط انطلاق؟؟؟
إذا لم نحمي الطبيعة لن نستطيع حماية أنفسنا، فالمعجزات لا تحدث التغيير ولكن الجهد هو ما يحدثه.