المؤلف: anmar saleh
في التحدي المناخي الذكاء الاصطناعي معنا ام علينا ؟
في التحدي المناخي الذكاء الاصطناعي معنا ام علينا ؟

نسمع بشكل شبه يومي عن اختراقات جديدة ينجزها التقنيّون والعلماء بمساعدة الذكاء الصنعي (AI) وخوارزميات التعلم الآلي, والتي تثبت في كل مرة أنها تغيّر شكل حياتنا بكل تفاصيلها, لكن في معركتنا المناخية الكبيرة هل الذكاء الصنعي (معنا أم علينا؟)

في الحقيقة يتم الاشادة بخوارزميات التعلم الآلي والذكاء الصنعي عموماً باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من اقتصاد الطاقة النظيفة الجديد, لكن في نفس الوقت يرى مجموعة من النقاد أن الأجهزة واللوجستيات التي تحتاجها أنظمة الذكاء الصنعي بحد ذاتها تعتبر مستهلك كبير للطاقة!, فما هو القول الفصل في هذا السؤال؟

في السنوات الأخيرة مع تفاقم آثار التغير المناخي وتكرار مشاهد الدمار الناجم عن العواصف وحرائق الغابات والجفاف, ينظر بشكل متزايد إلى الذكاء الصنعي كوسيلة للتنبؤ بتأثيرات التغير المناخي والحد منها.

تُظهر الحكومات وشركات التكنولوجيا والمستثمرون اهتماماً متزايداً بأنظمة التعلم الآلي التي تستخدم الخوارزميات لتحديد الأنماط في مجموعات البيانات الضخمة وإجراء تنبوءات أو توصيات أو قرارات في إعدادات حقيقية أو افتراضية, وهنا في الحقيقة كانت مشكلة التنبؤ بالطقس على المستوى الاستراتيجي, فالطقس يتعلق بعدد كبير من المتغيرات وبالتالي قبل وجود الذكاء الصنعي كان الموضوع شبه مستحيل, ويعطي نتائج قاصرة غالباً. لكن اليوم وبفضل الذكاء الصنعي يمكننا معالجة كميات هائلة من البيانات غير المهيكلة مثل الصور والرسوم البيانية والخرائط ، مما يفتح إمكانيات هائلة لفهم الديناميكيات حول ارتفاع مستوى سطح البحر والصفائح الجليدية, أي أصبح بإمكاننا حرفياً حساب أثر الفراشة بمساعدة الذكاء الصنعي !

بدأ تدفق الاستثمارات في هذا المجال الواعد, ففي يونيو 2021 ،استثمر صندوق( Rise Fund ) وهو الذراع الاستثماري لشركة الأسهم الخاصة TPG ،  مئة مليون  دولار في نظام “Nowcasting” المستند إلى البيانات والذكاء الاصطناعي والذي ابتكرته شركة Climavision الناشئة في كنتاكي للتنبؤ بأنماط الطقس بدقة متناهية!.

ومن المقرر إطلاق خارطة طريق حكومية دولية حول دور الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتباس الحراري في  قمة المناخ COP 26  في نوفمبر في اسكتلندا.

ماهي إسهامات الذكاء الصنعي في مكافحة تغير المناخ؟

تُستخدم بالفعل عدة تقنيات للذكاء الصنعي في هذا المضمار فهناك تقنية تستخدم لإرسال تنبيهات بالكوارث الطبيعية في اليابان ، وأخرى لمراقبة إزالة الغابات في منطقة الأمازون ، وثالثة لتصميم  مدن ذكية  أكثر اخضرارًا في الصين.

يمكن أن تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي أيضًا في تصميم مباني أكثر كفاءة في استخدام الطاقة ، وتحسين تخزينها, وتحسين نشر الطاقة المتجددة من خلال تغذية الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في شبكة الكهرباء على حسب الحاجة.

وبحسب تقرير بعنوان  AI for the Planet نشره تحالف أنشأته مجموعة بوسطن الاستشارية BCG مع عدة منظمات العام الماضي 2022 فإن الاستعانة بالذكاء الصنعي يمكن تقسيمها إلى خمس مجالات رئيسية:

  1. جمع وتحليل مجموعات البيانات المعقدة كالانبعاثات والتأثيرات المناخية وكل البيانات المرتبطة والمؤثرة في التغير المناخي.
  2. تعزيز التخطيط وصنع القرار.
  3. تحسين العمليات.
  4. دعم النظم البيئية التشاكية.
  5. تشجيع السلوكيات المناخية الإيجابية.

على نطاق أصغر، يمكن أن يساعد الذكاء الصنعي الأسر على تقليل استخدامهم للطاقة (إطفاء الأنوار غير المستخدمة تلقائيًا أو إرسال الطاقة من السيارات الكهربائية إلى الشبكة لتلبية الطلب المتوقع).

في الحقيقة عدد هائل من التدخلات الايجابية التي يحققها الذكاء الصنعي في هذا المضمار والتي لايمكن لأي تدوينة واحدة أن تذكرها, يكفي أن نعرف أنه بحلول عام 2030، يمكن أن تساعد هذه التقنيات في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بنسبة 4٪ ، وفقًا  لدراسة  حديثة أجرتها شركة PricewaterhouseCoopers لصالح شركة مايكروسوفت ، التي تعمل على تطوير منتجات التعلم الآلي لسوق تغير المناخ.

من بدأ باستخدامه ؟          

دفعت التكلفة العالية للموارد الحاسوبية للذكاء الصنعي اقتصاره إلى حد كبير على القطاع الخاص ، حيث السوق “نابضة بالحياة للغاية” ، وفقًا لكريس جود ، الرئيس التنفيذي لشركة Climavision. 

يستخدم نظام Climavision شبكة رادار عالية الدقة إلى جانب بيانات من الأقمار الصناعية ومناطيد الطقس على ارتفاعات عالية لملء ما تقول الشركة إنه “مئات الفجوات” في شبكات التنبؤ بالطقس الحالية.

قال غود إن شركات الطاقة والنقل والمزارعين وحتى الجيش سيكون لديهم إمكانية الوصول إلى “عناصر الوقت الحقيقي من الغلاف الجوي ، ما يحدث في هذه اللحظة بالذات ، لأنه يتم تحديثه ثانية بثانية”.  

قال مدير الشؤون الخارجية لشركة TPG ، التي أعلنت الأسبوع الماضي عن  صندوق Rise Climate  جديد بقيمة 5.4 مليار دولار للاستثمار في الحلول المناخية حول العالم، “إن سوق الذكاء الصنعي من المرجح أن ينمو، حيث تنتقل البلدان والشركات نحو خفض انبعاثات الكربون مقابل الطاقة” خصوصاً بعد ظهور مفاهيم جديدة كالحياد الكربوني وتسعير الكربون, وأضاف: “ستكون البيانات والبرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من التنبؤ بسلوك السوق، وتحقيق التوازن بين العمليات في الوقت الفعلي وزيادة إنتاجية الطاقة إلى أقصى حد”.

لكن دائماً هناك جانب سلبي؟

يمكن أن يستهلك تخزين ومعالجة البيانات اللازمة لتدريب خوارزمية واحدة كبيرة كميات هائلة من الطاقة قد تصل إلى 626000 رطل (284000 كجم) من ثاني أكسيد الكربون ، وفقًا  لدراسة أجراها  معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا, أي ما يعادل خمسة أضعاف الانبعاثات خلال دورة حياة السيارة في أمريكا تقريبا!.

تقوم مراكز البيانات بمعالجة وتخزين البيانات من الأنشطة عبر الإنترنت، مثل إرسال رسائل البريد الإلكتروني وبث مقاطع فيديو، باستهلاك يقارب 1٪ من استخدام الكهرباء العالمي ، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الحوسبة ستشكل ما يصل إلى 8٪ من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2030، مما يثير مخاوف من  أن يؤدي ذلك إلى حرق المزيد من الوقود الأحفوري.

قالت فيرجينيا دي جنوم أستاذة الذكاء الصنعي الاجتماعي والأخلاقي في جامعة أوميا السويدية: “إن الذكاء الاصطناعي له وجهان, هو عامل مساعد لمحاربة التغير المناخي, لكنه, ربما, عامل مدمر!”, وقالت إن الحاجة إلى وجود معادن أرضية نادرة لصنع الأجهزة لها تأثير مدمر ، مضيفة أن الذكاء الاصطناعي نفسه “ليس عصا سحرية – ولا يخلو من الأخطاء”. 

النتائج التنبؤية المتحيزة ممكنة أيضًا، اعتمادًا على الافتراضات المستخدمة في مدخلات البيانات, قال كيفين أندرسون، أستاذ الطاقة وتغير المناخ في جامعات في بريطانيا والسويد والنرويج، إن تغير المناخ يجب أن “يتعلق في المقام الأول بأولئك المسؤولين عن نصيب الأسد من الانبعاثات التي تحدث تغييرات كبيرة في أنماط حياتنا”.

إذاً ما هي الخلاصة؟

على الرغم من أنه لا تزال هناك العديد من الحواجز أمام الاستثمار الأمثل، إلا أننا متحمسون للعمل أكثر مع الذكاء الصنعي في معركتنا مع التغيرات المناخية لتجاوز تلك الحواجز وتحقيق إمكاناته الهائلة على نطاق واسع من أجل الكوكب.

اقترح معهد AI Now Institute ، وهو مركز أبحاث في جامعة نيويورك، تبنّي شركات التكنلوجيا (مبادئ الذكاء الصنعي الخضراء) التي تحقق شفافية كاملة بشأن تأثير الكربون والطاقة والتأثير البيئي للشركات وتُكامِل التكنولوجيا مع تنظيم المناخ.

في النهاية ، الذكاء الصنعي بحد ذاته أداة داعمة ومساعدة لنا في أي اتجاه نقرر أن نسير، ويمكن أن نقول أن استخدامات الذكاء الصنعي في مكافحة تغير المناخ تعتمد على كيفية تنظيمه واستثماره حول العالم, وجميع الأفراد والمؤسسات والمجتمعات لها دور تلعبه في هذه العملية، فمنتجات الذكاء الصنعي تنتشر بين أيدينا على بعد بضعة نقرات، يمكن لنا أن نستثمرها في نشر أو ترجمة أو عمل أي شيء نريده لأننا بذلك نطورها ونساعد على إيجاد حلول لتجاوز العقبات التي تحول دون توسيع نطاقها.

 أخيرًا، نشجع القراء المهتمين بمواضيع التغير المناخي أو العاملين في مجال الذكاء الصنعي على مشاركة ونشر توضيحات حول المشاكل والمصاعب والتحديات في التعامل مع تحليلات المناخ وحلول الذكاء الاصطناعي لأزمة المناخ وقضايا أخرى. لأن هذا سيشكل دعم حيوي للأبحاث المستقبلية المتعلقة بهذه الأمور، والأهم من ذلك، المساعدة على إعطاء الأولوية لجهودنا جميعاً في معالجة وتخطي الحواجز التي تعيق تطبيق الحلول المناسبة لأزمة التغير المناخي الوجودية بالنسبة لنا.

الذكاء الصنعي إن قلنا أنه فرصة وتحدي في نفس الوقت، فهو حتماً كفرصة أكبر منه كتحدي.

مصادر:

How can artificial intelligence help fight climate change? | Context

https://www.bcg.com/publications/2022/how-ai-can-help-climate-change

https://web-assets.bcg.com/ff/d7/90b70d9f405fa2b67c8498ed39f3/ai-for-the-planet-bcg-report-july-2022.pdf

تاريخ النشر 04/05/2023