من السهل اليوم إدراك أن الدول الصناعية هي الدول الأكثر انبعاثات حيث تمثل انبعاثات هذه الدول 79% من الإجمالي بين عامي 1850 و2011، بحسب مركز التنمية العالمي. وبالتالي من غير العادل أن تدفع هذه الدول ذات الثمن الذي تدفعه دول إفريقية أو دول الأمازون وهي تحتضن أكبر الغابات في العالم!.
ويمكننا إسقاط المفهوم ذاته على الشعوب والأفراد.
العدالة للجميع:
“العدالة هي أن ندفع جميعنا الثمن بالطريقة ذاتها عند تطابق الأسباب”؛ كما أسلفنا؛ على مستوى الدول و الشعوب و الأفراد.
كالخضوع لنفس امتحان القبول أودفع الغرامة ذاتها عند ارتكاب مخالفة ما.
ربما يظنّ كُثُر أن مفهوم العدالة بالعموم بديهي وقد لايحتاج لتنظير أو إيضاح لكن مجرد تأطيره يعتبر خطوة أولى ضرورية، فعندما يتم رشوة موظف لتجاهل ارتكاب مخالفة، على الأقل يدرك الطرفان أنهما ارتكبا تجاوزاً. بالتالي وجود القانون أو العرف أو الناظم ضروري؛ حتى وإن كان غير فاعل؛ لأي خطوة لاحقة.
وربما تبدأ العدالة اليوم بالاعتراف أننا لاندفع ذات الثمن بغض النظر عن الأسباب، والمؤسف أن التغير المُناخي يزيد من التمييز وعدم المساواة على كل المستويات، فالشعوب الأكثر فقراً والدول الأكثر هشاشة هي بدأت بالفعل بدفع أثمان غير قادرة على تحملها وغير مجهزة للتعامل معها بينما تتهرب الدول الأكثر انبعاثات من التزاماتها على حساب “تنمية اقتصادها!”
العدالة على مستوى الأفراد:
كذلك الأمر على مستوى الأفراد، فهناك أساساً فئات في المجتمع مهمشة وأقل قدرة على مواجهة التحديات والكوارث وأكثر تضرراً من باقي الفئات.
في دراسة أجرتها UN Environment أن 80٪ من المشردين بسبب التغير المُناخي هم من النساء ووفقاً للدراسة يتعرض هؤلاء النساء بشكل مباشر للاعتداء الجنسي والتعنيف بغياب الحماية القانونية. لا تنتهي الأمثلة التي يؤثر بها التغير المُناخي بشكل مباشر أو غير مباشر على حياة النساء، وبطرق قد لا نتوقعها، فمثلاً عدد النساء اللواتي يعرفن السباحة أقل بكثير من عدد الرجال في المجتمعات المحافظة وبالتالي فرصهن بالنجاة أقل في حال حدوث فيضان ما, وهو من التهديدات المتوقع زيادة وتيرتها في الفترة القادمة، كما تزداد معدلات الفقر في عدد كبير من الدول ومنها سوريا كآثار مباشرة للتغير المُناخي الأمر الذي يرافقه بالضرورة ازدياد معدل العنف ضد المرأة وارتفاع معدلات الأمية عند النساء وزواج القاصرات وتعدد الزوجات، يذكر تقرير “العدالة المُناخية النسوية”أنه بحلول عام 2050، سيدفع تغير المُناخ ما يصل إلى 158 مليون امرأة وفتاة أخرى إلى الفقر وسيؤدي إلى وقوع 236 مليون امرأة أخرى في براثن الجوع.
كما يؤثر التغير المُناخي على أسواق عديدة وبشكل عميق، مما يجعل سوق العمل في هذه القطاعات تحدّياً جديداً للنساء العاملات، ذكر تقرير البنك الدولي عن تأثير جائحة كورونا على النساء ; حيث وصلت نسبة النساء المسرحات من العمل إثر الإغلاق بعيد الجائحة عام 2020 اكتر ب 44٪ من نسبة الرجال المسرحين، وبعد انتهاء فترة الإغلاق كان عدد الرجال الذين تم توظيفهم أكبر من عدد الموظفات الجدد، وهذا يدل على أن النساء يعانون مشاكل في سوق العمل أكثر من الرجال، وهم الخاسر الأكبر عند حصول أزمات.
كل ما سبق يعتبر تأثيرات اجتماعية سلبية على النساء يمكن أن نضيف لها تأثيرات صحية للتغير المُناخي تخص النساء كأمراض الدورة الشهرية وازدياد حالات الولادة المبكرة وتأثيرات نفسية متمايزة، يضاف إليها ازدياد في صعوبة الحصول على الخدمات الصحية والإنجابية فور تعرض القطاع الصحي للتدهور وعدم اعتبار هذه الخدمات من الأولويات.
بالتالي فالنساء السوريات على مواعيد مع تحديات جديدة مقبلة مع التغير المُناخي الذي يؤثر حرفياً على كل شيء في حياتنا وبالضرورة ستدفع النساء ثمناً أكبر نتيجة هذه التحديات كونها من الفئات الأكثر هشاشة والأقل قدرة في الوصول للمصادر والفرص وتحقيق الإمكانيات؛ بكل بساطة سيكون تأثير التغير المُناخي أكثر حدة على النساء بشكل جماعي أو فردي وبالأخص في المناطق الفقيرة والمهمشة والريفية والبعيدة عن الخدمات.
ما الحل؟
تدعو هيئة الأمم المتحدة المرأة إلى تحقيق عدالة مُناخية نسوية، وإلى عالم يمكن فيه للجميع التمتع بحقوق الإنسان الخاصة بهم، والازدهار على كوكب صحي ومستدام.
يتمحور نهج العدالة المُناخية النسوي حول أربعة مجالات رئيسية:
1- الاعتراف بحقوق المرأة وعملها ومعرفتها
يجب أن تعطي السياسة الأولوية لحقوق النساء والمجموعات الأخرى التي تواجه التمييز لأنه يقوض قدرتها على الصمود في مواجهة تأثيرات المُناخ. وتتحمل المرأة مسؤوليات رعاية غير مدفوعة الأجر بشكل غير عادل، وتمتلك موارد اقتصادية أقل من الرجل، ولديها مستويات أقل من القراءة والكتابة والقدرة على الوصول إلى التكنولوجيا. وتتفاقم هذه التفاوتات بسبب تغير المُناخ.
ولن تكون أي سياسات فعّالة للتكيف مع المُناخ إلا إذا تم أخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار ومراعاتها خلال وضع السياسات والخطط.
2- إعادة توزيع الموارد الاقتصادية
وبما أن النساء محرومات بالفعل فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، من حيث الفجوات في الأجور وعدم المساواة في الوصول إلى الوظائف والأراضي والتكنولوجيا والتعليم، فمن الضروري إعطاء الأولوية للمساواة بين الجنسين في التحولات العادلة. وإلا فإن عدم المساواة بحق النساء سوف يزداد رسوخاً.
تحتاج الحكومات إلى جمع الموارد من خلال فرض ضرائب تصاعدية على الأشخاص والشركات لدفع تكاليف برامج الرعاية الاجتماعية لدعم قدرة المرأة على الصمود.
3- تمثيل أصوات المرأة
تضغط المدافعات عن حقوق الإنسان والجماعات النسوية من أجل دمج المساواة بين الجنسين في عملية صنع السياسات البيئية على جميع المستويات. لكنهم غالباً ما يتم استبعادهم من السلطة.
تظهر الأبحاث أن تمثيل المرأة في البرلمانات يرتبط بسياسات بيئية أقوى، لكن على المستوى العالمي، لا تشغل المرأة سوى حوالي ربع المقاعد. وعلى الرغم من أن المرأة كانت في طليعة النشاط البيئي لعقود من الزمن، إلا أن النساء لا يشكلن سوى 15 في المائة من وزراء البيئة على المستوى الوطني.
وبينما ارتفعت مشاركة المرأة في الوفود الوطنية إلى مؤتمرات الأمم المتحدة بشأن المُناخ من 30 إلى 35 في المائة من عام 2012 إلى عام 2022، انخفضت نسبة الوفود التي ترأسها نساء بشكل طفيف من 21 إلى 20 في المائة خلال نفس الفترة.
4- إصلاح عدم المساواة والمظالم التاريخية
ويجب أن تركز الالتزامات المالية لمكافحة تغير المُناخ على الأشخاص والبلدان الأكثر عرضة للخطر. منذ عام 1850، كانت بلدان شمال الكرة الأرضية مسؤولة عن 92% من الانبعاثات الزائدة في العالم، الأمر الذي أدى إلى خلق ديون مُناخية ضخمة.
ولمعالجة هذا الاختلال في التوازن، يجب على الدول الغنية إلى الوفاء بالتزاماتها بتمويل برامج المُناخ وضمان وصول الأموال إلى البلدان الأكثر ضعفاً والمنظمات النسائية الشعبية.حيث أن 3٪ فقط من مساعدات التنمية المُناخية تعطي الأولوية للمساواة بين الجنسين .فيجب فرض الضرائب على الشركات الملوثة وتنظيمها لمنع الإضرار بالمُناخ في المستقبل.
خاتمة:
قالت ماريا رييس، ممثلة منظمة Fridays for Future MAPA وتحالف العمل النسوي من أجل العدالة المُناخية: “كشباب من الجنوب العالمي، نعرف كيف تبدو العدالة المُناخية لأنه بصرف النظر عن كوننا في الخطوط الأمامية لأزمة المُناخ، فإننا أيضًا في طليعة الحلول، حيث نبني مع مجتمعاتنا الأنظمة التي لا يمكننا العيش بدونها بينما نقوم بتفكيك الأنظمة التي لا يمكننا العيش فيها. وبينما نتسلل إلى الفضاءات المؤسساتية مثل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المُناخ (COP28)، نحتاج إلى الاستفادة من البيانات والأبحاث، مثل إطار العدالة المُناخية النسوي، كأدوات للتغيير التحويلي.