المؤلف: May Mkarem

التغير المُناخي في سورية، التخفيف والتكيف

تخوضُ سورية حرباً قد تكون الأشدَّ على الإطلاق، حرب القدرة على استمرار الحياة والحصول على لقمة العيش، فمن هو عدونا هذه المرة؟

إنه التغير المُناخي الذي يعيق تعافي سورية، و يضاعف الأعباء على الفئات الأكثر ضعفاً.

التغير المُناخي

هو تغير في المُناخ حصل نتيجة الاحتباس الحراري الناجم عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، وعلى رأسها غاز ثاني أوكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية، استخدام  الوقود الأحفوري وحرق الغابات التي كانت تشكل أكبر مصارف للكربون، و تقاس هذه الزيادة بحوالي 22 بليون طن سنوياً ينطلق  نصفها إلى الغلافِ الجوي وتمتصُ التربة والغلاف المائي ما تبقى منها.

تقوم غازات الغلاف الجوي وعلى رأسِها غاز ثاني أكسيد الكربون بامتصاص الأشعة تحت الحمراء الواردة من الشمس، بالتالي تقل نسبة الأشعة المعكوسة من الأرض وتُحتبس في الغلاف الجوي، وعليه ترتفع حرارة الأرض مُشكلةً الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى تغيرٍ في المُناخ العالمي الذي تطال آثاره كوكب الأرض بالكامل وتسمى بظاهرة  البيت الزجاجي.

التغير المُناخي ينال من الفئات الأكثر ضعفاً

نتيجة الظروف الصعبة التي تعيشها هذه الفئات تكون قدرتهم على التكيف  شبه معدومة، أو تدفعهم لتأقلمٍ سلبي مثل بيع الأراضي أو شراء صهاريج الماء بأسعارٍ مرتفعة ، أو حتى بيع مواشيهم  والهجرة إلى المدينة بحثاً عن موارد للعيش.

تعتبر زراعة الأراضي هي مصدر الرزق الوحيد للكثير من الفلاحين، إذ يضع فيها الفلاح كل مدخراته ويزرع فيها أمله مع بذوره، أمله بموسمٍ جيد يقيه العوز والحاجة ويضمن له حياةً كريمة.

ما يحدث في سورية نتيجة التغير المُناخي.. لنتذكر معاً

في الآونة الأخيرة، شهدت سورية تواتراً كبيراً لموجات الحر الشديدة والرياح الناتجة عن التغير المُناخي، نشأ عنها حرائق كثيرة دمرت قلوب المزارعين بخسارة مواسمهم، ودفعت البعض ليصبحوا عمالاً عند الآخرين ليتمكنوا من تأمين احتياجاتهم الحياتية، كما اضطر البعض لبيع أراضيهم أو استخدام البذار المخصصة للزراعة بالاستهلاك الأسري، وآخرون لم يجدوا حلاً بديلاً سوى الهجرة إلى المدينة.

هذه الحرائق حصلت بمعظم المناطقِ السورية، ففي السويداء طالت حرائقٌ  كثيرة  سهول القمح والشعير والكثير من الأشجار.

وأخرى طالت الأراضي الجبلية في ريف اللاذقية فدّمرت بغاباتها ومحاصيلها نتيجة الحرارة والرياح الشديدين.

ولم تكن الحرائق هي السلاح الوحيد للتغير المُناخي على فلاحي سورية، فقلة الأمطار أو هطولها بغير أوقاتها، والعواصف الشديدة  كالتي شهدناها مؤخراً في اللاذقية تسببت  بخسارة محاصيلهم  وتراجع إنتاجهم.

في حمص تراجع إنتاج الدونم الواحد من القمح الذي يشكل العنصر الأساسي لإنتاج الخبز من 600 كغ إلى  200 كغ فقط.

وأيضاً ارتفاع درجات الحرارة خلال الخريف التي تقارب معدلاتِها فًصل الصيف، وانعدام هطول الأمطار في شهرِ أيلول، سبّب ضرراً كبيراً بمواسم الزيتون في كل المحافظات السورية.

بالمقابل خسِر كثيرٌ من الفلاحين العامَ الماضي مواسم الكوسا والباذنجان نتيجة موجاتِ الصقيع وتشكل الجليد.

كما سبب التغير المُناخي جفاف الأراضي وانحسار مناطق الرعي ما دفع مُربّي المواشي لبيع مواشيهم أو الاقتراض لتأمين الأعلاف لها.

وفي أماكن أخرى كانت الفيضانات والسيول سبباً في خسارة الفلاحين كما حدث في ريف الرقة الجنوبي الشرقي والشمالي نتيجة الهطولات الغزيرة الغير معهودة التي وصلت أضرارها لإحداث خسائر بالأرواح البشرية.

نُلاحظ أيضاً تزايد الحشرات كالبعوضة البيضاء الضارة بمحاصيل الحمضيات، التي تتكاثر بسرعة نتيجة ارتفاع الحرارة والرطوبة.

كل هذه القضايا تؤثر سلباً على الصحة وعلى  الأمن الغذائي وسوءِ التغذية، وتفشي الأمراض المعدية كالملاريا والكوليرا وحمى الضنك، حيث يُشكل الاحتباسُ الحراري  بيئةً حاضنة ممتازة لهذه الأمراض بالإضافة لضربات الشمس والكريب الحراري  وتلوث الهواء بالغازات السامة التي قد تؤدي إلى الوفاة، خصيصاً  المُصابين بالأمراض القلبية والتنفُسية.

ولا ننسَ تعرُض التنوع الحيوي للخطر ، بسبب فَقد بعض الكائنات الحية  مواطنها لزوال الغابات أو جفاف المناطق التي كانت رطبة. 

يمكن الاطلاع على بعض القصص التي رواها الفلاحين مع اسمائهم ومناطقهم من خلال الرابط التالي:

هل هناك من حلول


بالطبع لا يوجد حلولٌ جذرية ولكن يُمكننا اتباع بعض الاستراتيجيات من أجل استمرار حياتنا على هذا الكوكب عبر التخفيف والتكيّف مع هذا التغير المُناخي:

ما هو التخفيف؟

هو محاولة تقليل الانبعاثات الناتجة عن الغازات الدفيئة البشرية وذلك بطريقتين: إما بزراعة الأشجار التي تمتص غاز ثاني أوكسيد الكربون، أو عَبر التوجه لمصادر الطاقة المتجددة (الرياح – الطاقة الشمسية ) بدلاً من  الوقود الأحفوري واستخدامه بالشكل الأمثل.

فمثلاً  تُشكل انبعاثات النقل حوالي 25%من مجملِ الانبعاثات، واستخدامنا لوسائل النقل العامة (الحافلات) للمسافات البعيدة والدراجات أو المشي للمسافات القصيرة، يُخفف الانبعاثات بنسبة 20 مرة عن استخدامنا لسياراتنا الخاصة.

يُمكننا أيضاً اتباع عاداتٍ يومية بسيطة للتخفيف ، مثل: 

1- الصيانة الدورية لمحركات سياراتنا الخاصة للتقليل من إطلاق العوادم الملوثة للهواء.

2- التقليل من استخدام المنظفات الكيماوية واستبدالها بالمذيبات المصنوعة منزلياً من الليمون والخل.

3- العمل على قضايا (التقليل وإعادة  الاستخدام والتدوير ) لخفض النفايات التي تطلق غاز الميثان أثناء تخمرها وغاز ثاني أكسيد الكربون عند احتراقها.

4- استخدام الأسمدة العضوية  بدل الأسمدة النيتروجينية الملوثة للمياه الجوفية والسطحية التي تستنزف كمياتٍ كبيرة من الطاقة.

5- الاعتماد على المكافحة الطبيعية للآفات (زراعة الأضداد)  بدل المبيدات الحشرية الكيماوية.

6- التوجه لاستخدام الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح).

7- الاعتماد  على الممارسات الزراعية المستدامة والمساعدة على التخفيف، فمثلاً عمل فريق فرانسيسكو ماركيز في جامعة كاليفورنيا على دراسة لمدة أربع سنوات لآثار الغطاء الأرضي على فقدان الكربون، وأكد على ضرورة التوجه نحو زراعة بساتين الزيتون فهي الأكثر صحة واستدامة وربحية، كما أنها تعمل كمصارف للكربون، وأكد أن التربة ذات التراكيز العالية من الكربون تسهل امتصاص النباتات للماء والمواد المغذية ويجعلها أكثر  إنتاجية، بساتين الزيتون مورد مهم جداً في مكافحة التغير المُناخي حيثُ تعمل على تطهير الهواء من خلال تحويل التربة إلى بالوعاتٍ للكربون.

ما هو التكيّف: 

 ويعني التعامل مع عواقب مشكلة التغير المُناخي كونها حصلت وانتهى الأمر، وذلك بالتقليل من حدته  والتكيّف معه، فيُمكننا الحفاظ  على استدامة الحياة ضمن الظروف الحالية.

 وكونُنا بلدً زراعي  كانت أضرارنا أكبر إذ أصبحنا نعاني من شح المياه وارتفاع الحرارة، لذا من حلول التكيّف هو التوجه للزراعة الذكية مناخياً – ووسائل الري الحديثة – ووسائل الري الذكي  لاحتوائه  على طُرق الاستشعار عن بعد، فهو يوقف الري آلياً بمجرد حصول التربة على احتياجها، أو عند بدء الأمطار بالهطول، كما يمكن للمزارع عبر تطبيقات تُحمّل على الهاتف أن يقوم بإدخال نوع زراعته ومكانها فتقوم هذه التطبيقات بإرسال رسائل إرشادية للمزارع  ، مثلاً  سيهطل المطر لا داعي لري المزروعات حتى لا تصاب بالرقاد فتسبب خسارة ربع أو نصف محصوله.

أو ترسل له رسالة بأن الحرارة ستكون عالية ويجب ري المزروعات خلال هذه الأيام وهذه الطريقة أيضاً تحد من هدر المياه.

 يمكننا زراعة الأشجار حول منازلنا للحفاظ على برودة درجات حرارتها.

كما علينا التفكير  بالبناء بمواد وطرق معينة تحافظ على الرطوبة  والدفء فتقلل من استخدام أجهزة التدفئة وأجهزة التبريد، والاستثمار بالمشاريع القائمة على الطاقة البديلة.

حافظ على بيئتك … تحافظ عليك 

في النهاية أكثر ما نحتاجه هو أخلاقيات اجتماعية تواكب متغيرات هذا العصر، تقوم على احترام البيئة  ومعرفة حقوقنا وواجباتنا اتجاهها، فلا نعبث مع الطبيعة نتيجة أطماعنا، والوصول لهذه الأخلاقيات يكون بالتعرف على حيوية العلاقة الاعتمادية بين الإنسان والبيئة ومدى ترابطهما فنستفيد ونفيد.

كتابة: مي مكارم

تدقيق: داليه عبد اللطيف

إقرأ أكثر مع SCP
تاريخ النشر 03/10/2024