“نحن في خطر تدمير أنفسنا بجشعنا وغبائنا ولا يمكن أن نبقى منكفئين على ذواتنا في كوكب صغير يزداد تلوثاً واكتظاظاً”
ستيفن هوكينغ
منذ ثلاثين عاماً ومؤتمرات المناخ العالمية تُعقد بغية تجنيب كوكب الأرض هذا التغير الكارثي الذي بدء مع الثورة الصناعية والذي يضع استمرار البشرية في وضعها الحالي موضع تساؤل، كما لم تتوقف حتى اليوم مراكز الأبحاث البيئية والمجتمعات العلمية عن تأكيد ما باتَ مؤكداً ومثبتاً بأن استمرار ممارسات البشر الحالية تجاه البيئة ستؤدي إلى انقراضهم إسوةً بالديناصورات التي لم تكن سيدة قرارها كما يفعل البشر اليوم.
لم يعد خافياً على أحد أن ظاهرة إنبعاثات الغازات الدفيئة وما نتج عنه من إحتباس حراري داخل الغلاف الجوي هو نتيجة سياسات التصنيع الخاطئة التي انتهجها الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، هذه السياسات رسمت خريطة التصنيع والتقدم الصناعي العالمي التي أرغمت باقي دول العالم النامي على اتباعها ليلحق بركب الحضارة كما تعرّفها الدول الصناعية الكبرى التي أنجزت مهماتها التنموية.
الملوّثون الكبار :
إن مالكي الصناعات الكبرى في الدول المتقدمة صناعياً والشركات العابرة للقارات يقودون حافلة البشرية إلى حتفها، ولا يمكن تجاهل النفوذ الذي يمارسونه في التأثير على القرار السياسي وعلى عرقلة إقرار القوانين التي من شأنها الحدّ من الانبعاثات السامة التي تنفثها مصانعهم في وجه الكوكب، حيث أن ثلثي إجمالي الإنبعاثات من الغازات الدفيئة الصناعية تسببها 90 شركة فقط حول العالم، أما التعويل على موقفهم الأخلاقي فهذا ما لا يُعوّل عليه.
وعلى الرغم من توقيع 194 دولة على إتفاق باريس للمناخ المنعقد عام 2015، الذي تضمّن إلتزام جميع الدول الموقّعة على خفض انبعاثاتها والعمل على الحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين في هذا القرن، إلا أن الأداء البيئي للشركات في هذه الدول انخفض أثناء وبعد جائحة كورونا بحجة الضغوط المالية مما تسبب في محو المكاسب المحققة على مدار العقد الماضي بحسب صندوق النقد الدولي IMF.
كما أوضح تقرير منصة Influence Map العاملة على تحليل وقياس مدى إلتزام الشركات والمجموعات المالية بقرارات إتفاقية باريس للمناخ، بأن 71% من الأموال والمقدرة بتريليونات الدولارات التي دعمت الأصول الصديقة للبيئة تبين أنها ليست مناصرة للبيئة على الإطلاق وتتماشى بشكل سلبي مع أهداف إتفاقية باريس للمناخ، ومن السذاجة الإعتقاد بأن هذه الأموال صُرفت عن طريق الخطأ أو دون عمد، فالإنتقال إلى إقتصاد أخضر سيؤدي بالضرورة لخسارات مالية ترفض الشركات الكبرى تكبدها مقابل دعم خطة الحفاظ على الوجود البشري في بيئة صحية وآمنة.
تحت سماء واحدة :
في خطاب عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينز عام 1972 أمام الجمعية الأميركية لتقدم العلوم (AAAS) تساءل:
هل ممكن لفراشة ترفرف بجناحيها في البرازيل أن تُحدثَ إعصاراً في تكساس ؟
ونجيبه اليوم أن الفراشات تعمّ الكوكب ولها آثار متفاوتة على البلدان، وخاصةً دول العالم النامي، السودان مثلاً يعاني منذ عامين من معدلات أمطار متزايدة، قضى نتيجتها العشرات وطال ضررها أكثر من مليون مواطن ودمرت ألف منزل وأتلفت آلاف الأفدنة من المساحات الزراعية في ظل غياب البنية التحتية الملائمة للتعامل مع الفيضانات.
ذكرت هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ في تقريرها الصادر في شباط 2022 أن ” الأشخاص والنظم الإيكولوجية الأقل قدرة على التكيف هم الأكثر ضرراً”، لذا تفاوتت قدرة استجابة البلدان والمجتمعات للتغيرات المناخية دفع نحو بلورة مفهوم “العدالة البيئية” في إطار سياسي – اجتماعي – أخلاقي، حيث لا ينبغي تحميل أي مجموعة بعينها من البشر حصة زائدة من الآثار السلبية للتغير المناخي العالمي، مع ضرورة المشاركة الهادفة من كل البشر دون تمييز في تطوير وتنفيذ السياسات البيئية، هذا المفهوم _ العدالة البيئية _ أدى بدوره لخلق مبررات ضرورة بذل جهود أكبر من جانب البلدان الصناعية في دعم البلدان النامية، وفي مؤتمر كوبنهاجن للمناخ (2009) تعهدت الدول الغنية في رفع قيمة المساعدة إلى دول الجنوب في مكافحة التغير المناخي إلى 100 مليار سنوياً حتى عام 2020 وخلال قمة المناخ COP26 في جلاسكو (2021) كشفت الأمم المتحدة أن هذا الهدف لم يتحقق بعد.
الناشطون والأمل الأخير:
المواقف الأخيرة والأفعال التي قام بها مناصرو البيئة من تلطيخ لوحات فان كوخ بحساء الطماطم ومهاجمة لوحة الموناليزا بالحلوى ورمي لوحة مونيه بالبطاطا المهروسة، تنقل صورة مغلوطة عن عمل الناشطين والجمعيات البيئية التي تمارس الضغط القانوني والمجتمعي على الملّوثين الحقيقيين من دول وشركات ومحطات تكرير، لذا نقل النضال من أجل العدالة البيئية والمناخية إلى مهاجمة المتاحف والفنانين لا يخدم القضية وإنما يشتتها ويدفع بالناشطين للإنخراط في سجالات بعيدة عن جوهر الأهداف البيئية، والأكيد أن تخريب لوحة في متحف لن تسرّع عملية الحياد الكربوني، دون أن ننسى المخاطر التي يعيشها الناشطون البيئيون حول العالم، ذكرت وكالة Global Witness في أحد تقاريرها أن عمليات تصفية وقتل النشطاء البيئيين ترتفع كل عام، فقد تم رصد 227 جريمة قتل لنشطاء في عام 2020.
وفي ظل التراخي والإهمال الدولي للقضايا المناخية، يبقى الرهان الأخير على دور النشطاء والمجتمعات المدنية في تركيز جهودهم لدفع عجلة الوعي البيئي لدى عامة الناس نحو تغيير نمط استهلاكهم وعاداتهم تجاه البيئة، للوصول إلى أداة عالمية توجّه الرأي العام نحو الضغط على الحكومات لحماية البيئة، ومن غير الممكن أن نقف مشدوهين خلف شاشات هواتفنا نحمل الأكواب البلاستيكية ونراقب نهايتنا وهي تقترب .
فرصة جديدة لكوكبنا :
انعقدت قمة الأمم المتحدة للمناخ COP27 المستضافة في مدينة شرم الشيخ المصرية من 6 تشرين الثاني حتى 18 من الشهر نفسه في أحلك الظروف العالمية على الصعيدين السياسي والاقتصادي لمراجعة تعهدات الدول في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وثاني أوكسيد الكربون وباقي الالتزامات البيئية، آملين أن تدخل المخرجات حيز التنفيذ كمنصة لإعلان حالة الطوارئ وحشد كل الطاقات الدولية والبدء بإنهاء دعم الوقود الإحفوري والتخلص من الفحم ودعم المجتمعات الضعيفة، فكوكب الأرض هو فرصتنا الوحيدة للنجاة كبشر، أما مروّجي فكرة الكوكب البديل (المريخ) هم رومانسيّين قد تجرفهم سيول الشتاء القادم.
- المراجع :
https://unfccc.int/process/the-convention/history-of-the-convention#Essential-background [1]
https://unfccc.int/process/the-paris-agreement/status-of-ratification [3]
\https://www.imf.org/en/Blogs/Articles/2020/10/26/blog-firms-environmental-performance-in-times-of- [4] crisis